الخرطوم: هنادي النور ــ هالة حافظ
قال وزير المالية جبريل ابراهيم ان موازنة ٢٠٢٣م تهدف إلى الاصلاح الهيكلي وتحريك الموارد وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتحول الرقمي وتوسع المظلة الضريبة ومكافحة التهرب الجمركي. ونبه الى ان تطبيق الرقمنة من شأنه زيادة الإيرادات، ولم يذكر الوزير في تصريحاته اية ارقام للموازنة الجديدة.
ونجد ان البلاد بلا رئيس مجلس وزراء وبلا حكومة منذ ٢٥ اكتوبر العام الماضي، وتظل الاوضاع الاقتصادية متردية منذ بداية الثورة التي اطاحت الرئيس المعزول، وعدة تساؤلات تطرح عن المصطلحات التي تحدث عنها وزير المالية (موازنة شفافة ذات موارد حقيقية وواقعية والرقمنة)؟ ولكن كيف تكون ملامحها في ظل ظروف بالغة التعقيد وعدم وجود انتاج وتوقف حركتي الصادر والوارد وارتفاع معدلات التضخم والكساد الذى ضرب العالم اجمع، ونتساءل ايضاً: هل تمت مشاركة كافة القطاعات ذات الصلة منها القطاع الخاص باشكاله والغرف التجارية واتحاد اصحاب العمل من اجل توسعة مواعين اللجنة التحضيرية العليا لوضع هيكل الموازنة العام لجهة انها تهم كافة القطاعات، ولكي تتفادى التعديلات خلال منتصف العام واجراء معالجات وفرض رسوم، الامر الذي يتطلب مشاركة كافة القطاعات خاصة الانتاجية؟ (الخرطوم24) اجرت استطلاعاً مع الخبراء ذوي الشأن الاقتصادي.
تحريك جمود
واوضح الناطق الرسمي باسم وزارة المالية أحمد الشريف أن الشفافية التي تحدث عنها وزير المالية تعني الوضوح، اما الرقمنة فتعني التحول الرقمي للمعلومات والبيانات بدلاً من العمل الورقي، لجهة ان هذا هو النمط الذي يتم اتباعه في جميع الدول، وأوضح في حديثه لـ (الخرطوم24) ان الميزانية تهدف الى تنمية الموارد المحلية وتفعيلها وتحريك الموارد في قطاعات الإنتاج بغرض الوصول إلى إنتاج وتطبيق القيمة المضافة عليه، كما أشار إلى تعظيم الإيرادات بتفعيل دور المؤسسات والشركات والوحدات المختلفة والولايات للاهتمام بالجانب الإيرادي للجمارك والضرائب دون تحميلها على المواطن بمعنى الجانب الايرادي في الإنتاج.
واقيع مرير
واكد الخبير الاقتصادي بروفيسور عثمان عبد الوهاب بوب أن الاقتصاد بالفعل يرتبط مباشرة بالسياسة، ولكن يتوقع أن تكون هناك رؤية لما سيحدث للمواطن والوطن نتيجة للسياسات الموجهة للاقتصاد، واستهجن بوب تصريحات وزير المالية قائلاً: (سيقول الكثير ويحاول ان يعطي المواطن آمالاً بحياة افضل واستقرار اقتصادي، في حين ان هناك قرارات تم اتخاذها خلال الاسبوع الماضي تنفي ما يقوله، بل تضفي صورة قاتمة عن مستقبل هذا الوطن، واهم ما فيها زيادة رسوم انتاج الري وانعدام التمويل في القطاع الزراعي، لجهة ان هناك تجربة مريرة لمزارعي القمح بعد ان رفضت وزارة المالية شراء محصولهم، اضافة الى زيادة رسوم الطرق بمعدلات فاقت 600%، وهذا سيضرب قطاعات انتاجية في مقتل)، ونبه بوب في حديثه لـ (الخرطوم24) امس الى ان هناك زيادات في كل خدمات الحكومة، مع وجود كساد ارتبط بالتضخم، وجزم بأن هذه ليست حلولاً وانما جبايات موجهة سياسياً، وقال بوب: (تعودنا على ان الميزانية التي تقدمها وزارة المالية ليست حبراً على ورق، واجزم بان هذه لا تختلف عن غيرها)، واستدرك قائلاً: (لا احب ان تكون كلماتي نذير سوء، ولكن للاسف فإن المجاعة قد حلت في بلاد الخير، وشواهدها الموثقة في تقارير وبحوث الامم المتحدة ورؤيتنا شخصياً)، وجزم بوب بان الجبايات لم تجلب الا الخراب ومزيداً من الخراب.
جيب المواطن
وقال الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير بروفيسور محمد شيخون: (بالرغم من ان حديث وزير المالية عن موازنة ٢٠٢٣م بأنها ستكون شفافة ذات موارد حقيقية وواقعية وتنموية وتطبيق الرقمنة لزيادة الإيرادات، الا انها ستعتمد اعتماداً كاملاً على الضرائب خاصة غير المباشرة، وكما اعلن اكثر من مرة انها ستعتمد على جيب المواطن الذي أصبح خالياً اي انه لا يتحمل مزيداً من الضرائب)، وأضاف قائلاً لـ(لانتباهة): (اما بالنسبة للانتاج في السودان فقد توقف ٨٠٪ من المصانع بسبب العجز عن التمويل خاصة بالنقود القابلة للتحويل وليس النقود الوطنية، اما النقود الوطنية فقد أصبحت نقوداً ليست ذات قيمة، كما أنها نقود خارج النظام المصرفي بما يتعدى ٩٠ إلى ٩٥٪، بجانب انها تدور في فلك الاقتصاد الخفي والمضاربة)، موضحاً أن الإشكالية الأساسية التي تواجه موازنة ٢٠٢٣م هي المكون من النقود القابلة للتحويل، لجهة ان الدولة ليست لها أية مصادر دخل من عائدات النقود القابلة للتحويل، اي انها لا تملك ولا تشارك في التصدير، بجانب أن المديونية الخارجية تعتبر كبيرة وما خُفض منها تم إلغاؤه، اي ان التخفيضات التي حدثت في نادي باريس وغيرها والتجسير الذي حدث للمديونية السودانية تم إلغاؤه بسبب الانقلاب، وأبان أن هذه الموازنة سواء أرادت الجهة المخططة لها او لم تُرد رغماً عن كل صاحب قرار، ستعتمد حتماً على مزيد من الضرائب غير المباشرة التي تتخطى طاقة المواطن.
وجزم شيخون بأنها ستعتمد على التمويل بالعجز اي الاقتراب من البنك المركزي بطباعة النقود وارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي ومزيد من الانخفاض في القوة الشرائية في النقود الوطنية في ظل غياب النقود القابلة للتحويل، وكشف شيخون عن أن الموازنة محاصرة بأزمة اقتصادية شاملة، واي حديث سيدخل في باب الامنيات او باب عدم الشفافية والصراحة مع المواطن، مشيراً إلى صعوبة الحلول للأزمة الاقتصادية السودانية في ظل تكابر القوى السياسية التي لا تريد أن تواجه حقيقة أن الاقتصاد السوداني يواجه أزمة تفوق طاقة الحل ويحتاج إلى مواجهة حقيقية، وسبب أزمة السودان سياسية في المقام الأول، ويجب حل مشكلة الحكومة وعلاقة الحكومة بالشعب وشرعية الحكومة، بجانب التراجع عن الانقلاب الحالي إلى نظام سياسي مدني يستطيع أن يتفاهم مع الخارج دون الاعتماد على الخارج، الا ان الظروف الداخلية تحتاج إلى تنظيم علاقة السودان مع القوى الدولية حتى تستطيع الحكومة ان تؤمن الداخل، والحلول التي يجب على الدولة اتخاذها عجزت عن تطبيقها، وتساءل قائلاً: (هل هذه الحكومة قادرة على أن تضع يدها على ثروة الذهب او الثروة الحيوانية او الحبوب الزيتية او الصمغ العربي والقطن وتجعل هذه السلع سلعاً سيادية، وتعطي حق صادرها والاستحواذ على عائداتها من النقد الأجنبي لبنك السودان المركزي؟)، واردف قائلاً: (بالتأكيد لن تستطيع، وهل يستطيعون تبديل العملة وما يقارب (٥٠٠) ترليون جنيه خارج النظام المصرفي؟ وهل يستطيعون أن يقولوا ان هذه النقود خلال اسبوعين او ثلاثة اسابيع ستصبح غير مبرئة للذمة، وان يكونوا مستعدين لتبديل العملة وان يدخلوا هذه الترليونات ويستقطعون منها ١٠٪ زكاة الممارسات التجارية؟ وطالما انهم يدعون أنهم أقرب إلى أن يستمدوا الأحكام من معطيات التشريع الإسلامي فليستقطعوا ١٠٪ من هذه الأموال المكتنزة عند تحويلها)، مشيراً إلى أن عجز الحكومة ليس بجديد وإنما هي عاجزة منذ تاريخ ١١ أبريل من عام ٢٠١٩م، وأضف قائلاً: (يجب أن تطبق السياسات التي دفع الشعب السوداني من أجلها الدماء لتحقيق تغيير حقيقي، الا ان التغيير الذي طبق لم يكن حقيقياً، وكل هذه السلطة غير مؤهلة للخروج من هذه الأزمة، وكيف يتكلم وزير المالية عن الشفافية في الموازنة، وهذا وضع الرماد على العيون).
وقال الخبير الأكاديمي دكتور محمد حسن: (أحد اهم المبادئ التي ينبغي ان تلتزم بها كل موازنات الدول الشفافية، لأنها يفترض ان تجاز عبر اللجان المختلفة داخل وزارة المالية، وبذلك تكون شفافة لكل مكونات الوزارة، ومن ثم تحال الى مجلس الشعب ان كان هناك مجلس، ويطلع عليها ممثلو الشعب ويعرفون تفاصيل الموازنة ويردون بوصفهم ممثلين للشعب، وعند الاطلاع عليها تتحقق دائرة من دوائر الشعب للشفافية، ومن ثم تحال الى مجلس الوزراء للتنفيذ، ولذلك فإن مبدأ الشفافية يمكن كافة الجهات بما فيها ممثلو الشعب من تقويم أداء الموازنة أثناء عملية تنفيذها، ومن ثم تعديل مسارها اذا ما قامت وزارة المالية بتجاوز اي جزء منها).
واشار الى حديث وزير المالية عن التحول الرقمي، وانه هدف استراتيجي وعلاج ناجع للتهرب الضريبي وتوسيع القطاع غير الرسمي، وضرب مثالاً لذلك بالعديد من الدول التي افلحت فيه مثل المملكة العربية السعودية، وكل المكلفين تم إدخالهم في نظام محاسبي الكتروني، وحدثت احاطة كبيرة من المكلفين وتمت توسعة الوعاء الإلكتروني، ولذلك فإن التحول الرقمي بالبلاد وادخال كافة المكلفين الممكنين في القطاع الرسمي وغير الرسمي سيوسع من الوعاء الضريبي، وبدوره يؤدي الى زيادة الإيرادات ويقلل حجم القطاع غير الرسمي، ولذلك التحول الرقمي بالبلاد اهم التحديات الكبرى التي تواجه وزارة المالية وديوان الضرائب.
وتوقع محمد في هذه الموازنة ان تكون شفافة وتفعل اتجاهات التحول الرقمي، وان تكون موازنة صفرية حسب حديث وزير المالية. وبهذا فإنها لن تعتمد على اية قروض خارجية وإنما على موارد حقيقية داخلية، وعليه فإن هذا التحول الرقمي والتوسع الضريبي سيؤدي الى زيادة الإيرادات ويؤدي الى تحقيق ما وعد به وزير المالية بزيادة الانفاق على القطاع الخدمي.
تحديات متشابهة
ويرى الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أن موازنة عام 2023م ستواجه بتحديات تشبه التحديات التي واجهت موازنة العام الجاري، بل ستتجاوزها باعتبار أن موازنة العام القادم ستعتمد على الذات نسبة لضعف توقعات انسياب التمويل الدولي في المرحلة القادمة، وقال: (لكن نأمل أن تُصحح الصورة او الفهم السائد بأن الاعتماد على الذات ليس الاعتماد فقط على زيادة الرسوم الجمركية والضريبية وإرهاق كاهل المواطن، ولكن الاعتماد على الذات هو توظيف امكانات وقدرات موارد السودان من أجل تصحيح مسار الاقتصاد أو لتحسن الاداء الاقتصادي وتحسين معاش الناس بصورة أساسية، ويكمن التحدي الأكبر في موازنة ٢٠٢٣م في انه لا بد للدولة من النظر في قضية إعادة هيكلة الرواتب والاجر لكل العاملين في القطاع العام، حتى لا تحدث الاضرابات التي تحدث الآن، ولا بد من عمل تعديلات مجزية لتلبية الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية للقطاعات المختلفة في القطاع العام)، وأضاف الناير في حديثه لـ (الخرطوم24) قائلاً: (إن التحدي الآخر استنباط مواعين إيرادية جديدة لدعم الموازنة العامة للدولة وتقليل حجم العجز، وفي نفس الوقت ألا يكون ذلك خصماً على المواطن، وهذا يحتاج إلى جهد كبير، لجهة ان زيادة الإيرادات ليس فقط للزيادة الرأسية ولكن بتوسيع المظلة الضريبية افقياً، بجانب ابتكار وسائل إيرادية لا تؤثر في المواطن مثل الحد من ظاهرة تهريب الذهب وإنشاء بورصة الذهب والاستفادة من تحويلات المغتربين).