مع اأقتراب انطلاقة العام الدراسي الجديد طالبت لجنة المعلمين بمضاعة أجور منتسبيها إلى 8 أضعاف المرتب الأساسي لتغطية أعباء المعيشة، كما أعلنت لجنة الهيكل الراتبي للعاملين بقطاع الكهرباء في السودان العودة إلى التصعيد مرة آخرى (حتى تنفيذ الحقوق كاملة) ابتداء من الأحد 25 سبتمبر بإضراب جزئي، ويتزامن هذا التوقيت مع إعلان لجنة العاملين بوزارة التجارة والتموين الدخول في إضراب عن العمل يومي الأحد والاثنين 25-26 حتى تنفيذ مطالبهم المتمثلة في تحسين المرتبات وبئية العمل أسوة بزملائهم بالوزارات الآخرى , وقد طالت الإضرابات حتى المؤسسات الدولية العاملة بالسودان حيث يصادف الأحد 25 سمبتمبر كذلك إعلان العاملين بمعتمدية اللاجئين في مدن (الخرطوم, مدني, القضارف,كوستي والفولة) الدخول في إضراب عن العمل يبدأ الاحد 25 سبتمبر لحين تنفيذ مطالبهم، وبالتزامن مع ذلك نفذ العاملون بمكتب مساعد معتمد اللاجئين بالصحافة إضرابا عن العمل يومي الأربعاء والخميس على أن يستمر مطلع الأسبوع المقبل حتى تحقيق مطالبهم المتمثلة في إيقاف تغول المنظمات على عمل اللاجئين وإيقاف تخفيض غذاء اللاجئين للنصف إلى جانب زيادة المزينات الخاصة باللاجئين بجانب فرض هيبة الدولة على برنامج اللجوء مع زيادة أجور العاملين وتحسين بئية العمل.
وقد سبق هذه الأضرابات الكثير من الأضرابات لقطاعات خدمية وإنتاجية بعدد من مؤسسات الدولة، كانت البداية بأساتذة التعليم العالي الذين طالبوا بزيادات الرواتب، وتمت الاستجابة لهم من الدولة، وبعدهم شريحة العاملين في التعليم العالي وتمت الاستجابة لهم كذلك، ثم قطاع الكهرباء، وبعدها شريحة أطباء الامتياز بالمستشفيات الحكومية بالعاصمة والولايات، وكذلك نفذ عمال النظافة بولاية الخرطوم وقفة احتجاجية أمام رئاسة المحلية مطالبين بتحسين أجورهم وشروط خدمتهم بإبرام عقود تتضمن الحقوق الخاصة فيما يتعلق بتعديل المرتب.
كما شهدت عدد من الولايات شمال وجنوب دارفور، غرب السودان، والجزيرة والبحر الأحمر إضرابا شاملا في جميع مؤسسات الخدمة المدنية، مطالبا بتعديل الأجور بما يتناسب مع الغلاء المعيشي في البلاد.
انعدام الرؤية:
إذن القاسم المشترك لكل تلك الإضرابات هو تحسين الأجور، وربطها خبراء الاقتصاد بالتدهور الاقتصادي بالبلاد مع انعدام الرؤية المؤسسية للأجور بصورة متكاملة، الأمر الذي يفتح شهية كل القطاعات للمطالبة بنفس العقلية، فالدولة تتعامل بطريقة “إطفاء الحرائق” وهي أن تعطي لمن يستخدم أسلوب الضغط، والمسألة لن تقف عند قطاع واحد بل ستشمل كل قطاعات الدولة، وجميعها لها مطالب مشروعة. وأن كان في تعامل الدولة مع قضية أضراب العاملين الكثير من عدم المؤسسية. وسياسية اطفاء الحرائق، فمن المفترض أن تكون المعالجات بصورة كلية ووفقا للواقع الاقتصادي والدراسات للهيكل الراتبي على مستوى الدولة، على أن تكون لوزارة المالية رؤية كلية شاملة لكل القطاعات تسمي خطوات استباقية وبناءًا عليها تتم المعالجات لمسالة الأجور وتكون معالجة كلية شاملة بدلا عن مسالة إطفاء الحرائق عند دخول القطاعات في إضرابات للمطالبة بحقوقها.
أضرابات عفوية:
من جانبه توقع الأستاذ وائل على، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، دخول كل القطاعات في إضراب بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة بصورة لاتطاق، وقارن وائل بين الآن وما كان قائما في النظام السابق قائلا: إنه كان يعطي رواتب ضعيفة لكنه يحمل أعباءً عن المواطن بطريقة الدعم، ولكن بمجرد رفع الحكومة الحالية للدعم أصبح واجب علي الدولة أن تردَّه في شكل تحسين معيشة المواطن بزيادة الرواتب، لأن الرواتب الحالية ضعيفة جدا لا تكفي معيشة العامل والموظف الذي هي السبب الرئيس للإضرابات الحالية التي طالت كل معظم موسسات الدولة، ويعتقد الأستاذ وائل أنه قد يكون جزء منها نتيجة تآمر سياسي مستبعداً البعد السياسي ودور القوى السياسية في الإضرابات، قائلا” الغالب العام فيها أنها إضرابات عفوية انتظمت كل القطاعات، والقوى السياسية غير مكترثة بها! هي فقط تسعى وتلهث خلف السلطة ولا تهتم للمواطن الذي طحنته الظروف ويحاول يرسل صوته عبر تلك الإضرابات بأن وضعه الاقتصادي صعب.. ووتوقع وائل أن تلك الأضرابات ستشل مؤسسات الدولة، وربما تؤدي لإضراب شامل ينتظم كل الموسسات أذا ما واصلت الإدارة المالية للوزير جبريل في سياستها بأن تأخذ كل إيرادات الدولة وتسيء توظيفيها بالصورة الحالية، مرجعا سبب ذلك لترهل النظام الأمني الموروث من الإنقاذ، مطالبا الحكومة بضرورة التخلص منه بتقليصه باعتبار أن الجهاز الأمني الواسع والمليشيات الكبيرة التي تريد أن تعيش وتأكل من مال الدولة من الضروري إعادة تأهيلها وإرجاعها للحياة المدنية أو إدماجهم في الموسسات النظامية بحسب معاييرها، وراي الكاتب الصحفي أن اللهث وراء الترتيبات الأمنية أمر لا تحتمله ميزانية الدولة بتوظيف هذا الكم من قوات الحركات المسلحة، معتبرا ذلك هو السبب الأساسي في سوء الأوضاع المالية، لا سيما محاولة وزير المالية توفير أموال للترتيبات الأمنية وتوفير أموال للصرف على جيوش الحركات المتواجدة بالخرطوم أو مناطق دارفور أو النيل الأزرق وغيرها من المناطق المشمولة باتفاقية جوبا، وحذر الأستاذ وائل من قيام المواطنين بإنتفاضة ضد وزير المالية ومجموعة التوافق الوطني الحاكمة إذا لم ينتبهوا للأزمة الحقيقية للمواطنين، مضيفا أن مصير هذه الحكومة سيكون شبيها بمصير سابقتها من حكومة تحالف قوى الحرية والتغيير المركزي، لأن المواطن أولويته لقمة عيشه حتى وأن تعاطف وتحالف مع الحركات المسلحة، ولكنه كان ينتظر من قوى السلام أن تحل وتحسن وضعه الاقتصادي وتوفر له السلام، ولم يكن يعتقد أنها تفكر في نهبه وتحاول تمكين نفسها اقتصاديا علي حسابه، وعندما تخرج تسريبات إعفاءات جمركية لسياراتهم وبمنحهم أموالاً للموالين لهم عن طريق مايسمي بالمسؤولية الاجتماعية فإن ذلك يدفع بالموظفين والعمال المطالبة بحقوقهم المالية سواء كانو أساتذة جامعات أو في قطاع الكهرباء أو قطاع المعلمين أو غيرهم فهذا شيء طبيعي وحقهم لهم لأنهم رأوا بعينيهم الطريقة التي توزّع بها الأموال.
وأشار الأستاذ وائل في حديثه لشبكة (الخرطوم24) إلى غياب دور النقابات التي شكلتها الحرية والتغيير في الإضرابات الحالية وضعف حجمها رغما عن التمكينن الكبير لها، مشيراً إلى ومحاولة الحرية والتغيير بان تركب موجة الإضرابات الحالية ولكن الأخيرة تجاوزها، وركزت على مطالبها المالية، وراي المحلل السياسي أن الإضربات سببها تضرر المواطنين من فشل الحكومات منذ 2019 فلجأوا للمطالبة بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، فالموظفين والعمال كانت لهم أحلاهم الحقيقة بأن تحل لهم الثورة مشكلتهم الاقتصادية وتحسن من أوضاعم المعيشية ولكنهم استوعبوا حقيقة أن الثورة كانت فقط مجرد توزيع مناصب لبعض الأحزاب وتوزيع غنائم، لذلك لجأوا للإضرابات التي حدثت في ظل غياب كامل لتجمع المهنيين، الذي اصبح في مزبلة التاريخ وغاب دوره وحتى اللجان التي أنشأها لا علاقة لها بالأضراب.
خلاصة:
استمرار الإضرابات والوقفات الاحتجاجية وحتى المذكرات المطالبة بتحسين الأجور أو بيئة العمل أو إقالة مسؤول بموسسة ما، يعكس حالة الغليان السياسي والتدهور الاقتصادي الذي بدوره سينعكس سلبا على الخدمة المدنية، حيث من المتوقع أن يعم كل القطاعات العاملة بموسسات الدولة لأن الأوضاع بها متشابهة تماما، والقضية واحدة تتلاقى حولها القطاعات التي تأثرت جميعها بغلاء المعيشة، رغما عن المعالجات الجزئية التي تمت بزيادة الأجور دون الإيفاء بها بوجه كامل، خاصة في ظل ضعف بعض النقابات الموجودة وغياب دورها وتسيسها.


إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس
