تخفيض أسعار المحروقات.. بداية انفراج أم قطرة ماء في صحراء؟!

تخفيض أسعار المحروقات.. بداية انفراج أم قطرة ماء في صحراء؟!


تقرير: منال صديق محمد
أصدرت إدارة النقل العام والبترول بوزارة البني التحتية ولاية الخرطوم، قراراً بتخفيض أسعار المحروقات في محطات الوقود بولاية الخرطوم، اعتباراً من يوم الإثنين الخامس من سبتمبر الجاري، ونص القرار علي تخفيض سعر بيع لتر البنزين إلي 760 جنيهاً بدلاً من 702 جنيهاً، ولتر الجازولين إلى 687 جنيهاً
بدلاً عن 748 جنيهاً.
وقد سبق أن رفعت الحكومة اسعار المحروقات اربعة مرات خلال ثلاثة أشهر وقد كان آخر تعديل على أسعار المحروقات حددتها وزارة الطاقة والنفط نهاية يوليو الماضي.
وقبل ذلك أقرت حكومة الفترة الانتقالية في سبتمبر من العام 2020 سياسة تحرير أسعار الوقود، حيث بلغت الزيادة في أسعار الوقود وقتها 400%، مما ساهم في أرتفاع تعرفة المواصلات العامة وتكاليف نقل البضائع وأسعار السلع الضرورية، وأدى إلى زيادة معاناة المواطن، فضلا عن تقويض العديد من القطاعات الإنتاجية الزراعية منها والصناعية، ويأتي تخفيض الأسعار في الخامس من سبتمبر كأول تخفيض، هذا العام، لكنه جاء بصورة طفيفة مقارنة بأنخفاض الأسعار عالميا، الذي ظل يسجل تراجعا مستمرا خلال الفترة الماضية الأمر الذي أوجد رغبة من قبل الشركات المستوردة في خفض أسعار الوقود تماشياً مع انخفاض السعر العالمي للوقود.

عكس التوقعات:
الزيادات الأربع السابقة والمتكررة لأسعار المحروقات والتي تعقبها زيادة في تعرفة المواصلات بصورة كبيرة جدا، تعكس مايحدث من فوضى بعدم وجود رقابة ولا تحديد لتعرفة للمواصلات العامة..
ظلت المواصلات هاجساً يؤرق غالب من الأسر السودانية في ظل الزيادات المتكررة الأمر الذي أجبر الكثيرين على عدم الخروج إلا للضرورة. ورغما عن الأرتياح الكبير لدى المواطنين بخبر تخفيض أسعار المحروقات إلا أنهم تفاجأوا بعدم تخفيض أصحاب مركبات المواصلات للتعرفة في اليوم التالي لتخفيض أسعار المحروقات، ودخل عدد من المواطنين في الخرطوم في ملاسنات حادة مع أصحاب المركبات، ورأى الكثير من المواطنون أن التخفيض كان يجب أن يتبعه منشور بتعديل تعرفة المواصلات العامة حتى تحسم فوضى تحديد تعريفة المواصلات كل حسب مايراه.
يرى بعض الخبراء الأقتصاديون أن انخفاض أسعار المحروقات بمحطات الوقود، جاءت نتيجة للسياسات التي اتبعتها وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، بقيادة د.جبريل إبراهيم مؤخراً، والتي أدت إلى الاستقرار في سعر الصرف، وصف الخبراء الخطوة بالإيجابية، ورأوا فيها تأكيد على جدية الحكومة في تحسين الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، وقالوا إن هذه السياسات ستنعكس علي السلع الأخري، مما يحدث انفراجا في الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية التي يعاني منها المواطن السوداني.

عدم مرونة:
لكن البروفسور عصام عبد الوهاب بوب الأكاديمي والخبير الأقتصادي يلفت النظر عدم وجود انخفاض في مؤشر أسعار السلع ولا الخدمات مرجع ذلك لعدم مرونة السوق السوداني، متوقعا زيادة مستوى الكساد المقترن مع مستويات التضخم لأن الدورة الاقتصادية ضعيفة جدا، وقال البروفسور بوب في تصريح لشبكة (الخرطوم24) الإخبارية: صحيح حدثت تخفيضات في أسعار المحروقات مع توفرها نسبيا بسبب أن هنالك انخفاض في سعر المحروقات عالميا، ورغما عن أزمة الطاقة التي اختلقتها روسيا في حربها مع أوكرانيا، وروسيا تحاول رفع سعر تداول الروبل الروسي بفرضها ضرورة شراء الغاز والمحروقات من قبل أوروبا والعالم، وهذه خطورة استراتيجية من الناحية الاقتصادية، وبالتالي من المتوقع وجود مزيد من الطلب على المحروقات عالميا، وأصفا ما تم من تخفيض لأسعار المحروقات لايتناسب مع الأنخفاض الذي حدث في الأسعار العالمية، وكان من المتوقع أن يتراوح التخفيض ما بين 13-18%، وطالب بوب وزارة المالية والشركات المستوردة للمحروقات بضرورة التخفيض من هوامش أرباحها قائلا: “لا أتوقع من وزارة المالية أن تتعامل مع الأمر مثل التاجر الذي يجد السوق كاشف ويضرب الناس بأسعار عالية”.
من جانبه وصف الطاهر المعتصم الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، وفي تصريح له لبرنامج (بعد الطبع) بقناة النيل الأزرق، وصف تخفيض أسعار المحروقات بأنه من الأخبار المفرحة التي هي من الندرة بمكان في بورصة الأخبار، رغم أنه تخفيض طفيف.. وتساءل الكاتب الصحفي ماذا إذا كان هذا الانخفاض القليل سيتبعه تخفيض في تعرفة المواصلات وستنخفض المنتجات الزراعية؟ .. أسئلة يجب أن تطرح على الحكومة القائمة لأن أصحاب الحافلات بمجرد إعلان أي زيادة في أسعار الوقود يقومون بزيادة في تعرفة المواصلات مباشرة، فالآن انخفض سعر الوقود فهل ستنخفض أسعار التعرفة؟ خصوصا أننا مقبلون على بداية عام دراسي جديد! وأشار الطاهر إلى أن التخفيض جاء نتيجة سجال بينهم في الصحف، الآن يأتي هذا التخفيض بناءًا على السجال الذي دار بين الشركات المستوردة للوقود الشهر الماضي، التي كانت قد طالبت وزارة الطاقة بتخفيض سعر الوقود لأنه انخفض عالميا.. ومن المؤكد أن أسعار البترول أصبحت محررة فالشركات تستورد وتضع سعرها ووزارة الطاقة والمالية لديهم إلية لتحديد السعر.

ازدواج ضريبي:
الدكتور محمد الناير الأكاديمي الخبير الاقتصادي طالب الدولة بضرورة إعادة النظر في التسعيرة المعلن عنها في أسعار المحروقات على أن تكون أقل من ذلك، واصفا التخفيض بأنه لم يتناسب مع حجم الانخفاض العالمي، وعلى الدولة أن تتنازل وتزيل الازدواج الضريبي، فهنالك ازدواج ضريبي على المحروقات يتمثل في رسوم قيمة مضافة ورسوم إنتاج.
ورأي الخبير الأقتصادي الناير في تصريح له لشبكة (الخرطوم24) الإخبارية، ضرورة تنازل الدولة عن الازدواج الضريبي وأن تخفض أكثر من أسعار المحروقات باعتبار أن هذا الأمر له انعكاسات إيحابية على الأقتصاد وعلى المستهلك وعلى القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وعلى القطاع الصناعي لذلك مشيرا إلى أن أسعار المحروقات بالسودان بلغت مستوى أعلى من الإمارات والسعودية وأعلى من أمريكا نفسها في حين أن مستوى الدخل في السودان لايعادل سوي 5% فقط من مستوى الدخل في هذه البلدان، لذلك لا يمكن أن تكون الأسعار في السودان أعلى من أسعار دول مستوى الدخول فيها مرتفعة بصورة كبيرة.

خاتمة:
من الواضح أن خبر التخفيض الطفيف أسعار المحروقات، رغم أنه مفرح و تفاءل به المواطنون، إلا أنه لا يعدو أن يكون قطرة ماء في صحراء الاقتصاد السوداني، ولن ينعكس بصورة تخفف من مظاهر الأزمة المعيشية في ظل ارتفاع أسعار السلع المستمر، الناجم عن تزايد أسعار المحروقات خلال الفترة الأنتقالية أربع مرات وكانت الزيادة بنسبة كبيرة فاقت 400% في آحدي المرات.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس



شارك هذه المقالة