شحرور – (١)
منذ وقت قصي كتب أستاذنا، وشيخ طائفتنا، وإمام طريقتنا الدينية (طريقة الإسلام الحضاري) العلامة محمد جلال كشك، قدس الله تعالى روحه في عليين، منبها إلى أن قوى الغزو الفكري الأمريكي لن تجد نفراً أصلح ولا أقدر ولا أقذر من زُمَر الكتَّاب والمثقفين الشيوعيين العرب كي تستخدمهم في اختراق الدين الإسلامي، ومحاولة نخره والاجتهاد في تحويره وتغييره من داخله.
بعض الفرضيات التي استندت إليها نظرية أستاذنا بصدد الصراع الثقافي الأمريكي مع الإسلام، أفادت أن خبراء الغزو الثقافي الأمريكي قوم غلَب على ظنهم أنهم إن تصدوا – عن طريق مباشر – للتعامل مع الدين الإسلامي بغية التلاعب به، فسيصرف المسلمون بواعث تحركهم المريب إلى أصول النزعات والنزغات الاستشراقية والصليبية التنصيرية التي ما برحت تحرك مواجد الغربيين منذ قديم الأوان، فيبدو الصراع حينئذ ديني الصبغة؛ وهذا ما سيؤدي إلى إضعاف الموقف الأمريكي تجاه المسلمين.
وفي إطار هذه الفرضية عينها ربما عزا المسلمون التصرف الأمريكي السافر في معاملة دينهم إلى خطط الاستعمار الجديد، تلك الخطط التي غدت توجه جهود الأمريكيين بغرض إعادة احتلال العالم الإسلامي؛ فكريا واقتصاديا، وذلك بعد أن أنجز المسلمون بعض شروط تحررهم واستقلالهم السياسي من سيطرة الدول الأوروبية وبعد انفكاكهم من سطوتها المباشرة.
ومن مؤيدات النظرية التي اهتدى إلى صوغها أستاذنا فرضية أخرى فحواها أن الأمريكيين رجَّحوا في حساباتهم أن الضمير الإسلامي المقاوم سيعطل فاعلية هجومهم إن جاء سافرا مكشوفا في وجه الإسلام، وربما أحبط أثره نهائيا أوجعله أثرا بعد عين.
ومن فرضيات النظرية أن الغزو الفكري الأمريكي إن جاء أرعن داهما على هذه الكيفية الفِجة ربما دفع وقعه غير المترفق جموع المسلمين إلى مزيد من الاعتزاز بدينهم، وتمسكهم بأهدابه، واستبسالهم في الدفاع عن حماه؛ فيأتي الغزو عند ذلك بغير النتائج التي استهدفها تماما.
وفي صلب افتراضات نظرية الأستاذ الرائد أن الأمريكيين – وهم قوم عمليون براغماتيون بطبعهم – سيعهدون إلى النخبة اليسارية الفكرية الشيوعية في العالم العربي، وبخاصة في معاقلها الرئيسية في مصر والشام، كي تتولى عنهم مهمة تدمير القيم الإسلامية، وكي تقوم تدريجيا – عن طريق الإلهاء ونشر الشبهات وبثِّ التمحُّلات – بإطفاء النخوة والحَّمية الإسلامية، وإبطال جهاز الدفاع النفسي الإسلامي عن حرمات الدين القويم.
ومما رجح جنوح الأمريكيين إلى انتهاج هذه الخطة في استخدام الماركسيين العرب للهجوم الخبيث الملتوي على الإسلام أن اللوم والسخط وعواقب التبعة الأثيمة لن تقع إلا على رؤوسهم وحدهم؛ فتُحظى أمريكا حينها بالغُنم المحض الخالص، ولا يقع الغُرم في معظمه إلا على جانب الجناة الماركسيين، الذين هم على في أفضل حالاتهم مجرد حثالات لأقوام أذلة مبتذلين ماديين مأجورين، وهم فوق ذلك على سمعتهم غير حريصين، وغاية غاياتهم في المنتهى ما يُرمى إليهم من فتات أجور العمالة ومستحقات الارتزاق من قِبل مراكز ووكالات الغزو الفكري الأمريكي.
وفي ختام الشوط يبقى النسر الأمريكي الكاسر على أتم اطمئنان وأكمل وثوق من اقتداره على اختطاف الفريسة الإسلامية – أو التي كانت إسلامية! – من بين براثن الدبِّ الشيوعي الذي أجهز عليها بما دسَّه في أحشائها من سموم، وبما بثَّه في أفقها من شبهات وتلبيسات وتشكيكات.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس
