إيقاف (التقسيط) الجمركي  ….. (آخر العلاج الكي )..!!

إيقاف (التقسيط) الجمركي  ..... (آخر العلاج الكي )..!!


الخرطوم : هالة حافظ : نجلاء عباس

ظلت السياسات الاقتصادية بالبلاد في حالة من التوهان وعدم الاستقرار بسبب القرارات التي تصدر من قبل الجهات المسؤولة بالدولة دون تخطيط أو دراسة بحسب رأي العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي وخلال الفترة الماضية اصدرت وزارة المالية جملة من القرارات التي وصفها البعض بالكارثية حيث تم رفع سعر الدولار الجمركي وبالامس تفاجأ المستودرون بإيقاف التسهيلات الجمركية التي تمنح لهم وعلى خلفية قرار  وزير المالية جبريل إبراهيم بوقف العمل بنظام التقسيط الجمركي لكل الواردات دون سابق وبحسب مصادر موثوقة اكدت أن هيئة الجمارك أوقفت العمل في وجه الموردين بسبب ذلك القرار حتى الذين لديهم تصاديق مسبقة، ولم يستثنِ القرار حتى المواد الخام التي تستجلبها المصانع للتصنيع. و(الخرطوم24) اجرت استطلاعا موسعا حول تداعيات تلك القرارات .
(غير مدروس)

ووصف امين مال الغرفة القومية للمستوردين قاسم الرشيد قرار وزير المالية بإيقاف نظام التقسيط الجمركي بالخاطئ وغير المدروس وجاء على عجل مشيرا إلى أن هذا النظام يتم العمل به في كل انحاء العالم ،  واكد لـ(الخرطوم24)  أن الاستيراد متوقف بنسبة ٧٠ إلى ٨٠  ٪  بسبب زيادة الدولار الجمركي، وأضاف :  زاد الطين بلة انه بقدر الكميات القليلة التي يتم استيرادها لجهة ارتفاع الجمارك تم ايقاف نظام التقسيط الجمركي في حين أشار إلى أن الدولة  تأخذ كل الضمانات الكافية   لاسترداد مستحقاتها في حال عدم ايفاء الموردين بالتزاماتهم المالية فيما يخص الأقساط.
وذكر أن وزير المالية بجرة قلم وقف اي حاجة بالرغم من الكساد الذي تشهده الأسواق وهذا دليل على أن وزير المالية يعمل( بلا دولة بلا حكومة بلا برنامج اقتصادي)، وقال إن جميع الحكومات السابقة بما فيها حكومة حمدوك عند اتخاذ مثل هذه القرارات يتم الجلوس مع أصحاب المصلحة الممثل في  اتحاد اصحاب العمل وديوان الضرائب ووزارة المالية ويتم تشكيل لجان فنية عند اتخاذ مثل هذه القرارات الكارثية او في حال اتخاذ قرار اقل كارثية من ذلك وأشار إلى فقدان خزينة الدولة لموارد كبيرة بسبب زيادة الدولار الجمركي  واسترسل قائلاً : سيضطر الناس لوقف الاستيراد ماعدا السلع الاساسية وحرب روسيا على أوكرانيا ستؤدي إلى مجاعة ظهرت بوادرها في السودان وذلك بشح السلع الأساسية بالأسواق بجانب ارتفاع أسعارها التي يصعب على المواطن البسيط تناولها ،  وأوضح أن غالبية المستوردين  يستخدمون نظام التقسيط في استيراد مواد أساسية منها سلع غذائية ومدخلات زراعية   والآليات والاسبيرات  وأوضح أن الجمارك تمتلك الآلية التي تتحصل بها على مستحقاته المالية من قبل المستوردين ، واكد على أن هذا القرار سيؤدي إلى تقليل  عملية الاستيراد بنسبة كبيرة بجانب زيادة الأسعار بسبب الشح الذي سيضرب الأسواق.

فجوة الإيرادات

وعلى خلفية قرار إيقاف العمل بنظام التقسيط الجمركي قال  مصدر بالجمارك  ان التقسيط بالأصل غير موجود في الجمارك وقام وزير المالية بإيقافه بناءً على زيادة حجم الإيرادات، ولايؤثر بصورة مباشرة وتم العمل به لجهة ان الرسوم الجمركية مرتفعة لذلك تم اللجوء إلى نظام الأقساط وأضاف المالية الآن في حاجة إلى إيرادات فورية وليست مقسمة على أقساط.

قرار خاطئ

وفي ذات السياق  قال مستورد المدخلات الزراعية فيصل محمد ان تطبيق قرار إيقاف العمل بنظام التقسيط خاطئ لجهة ان المستوردين قد دبروا أحوالهم مع ارتفاع قيمة الجمارك خاصة في استيراد المدخلات الصناعية والزراعة واصبح هناك تعامل بينهم وإدارة الجمارك في إدخال المدخلات الزراعية لجهة انها تتطلب رؤوس أموال كبيرة ولفت في حديثه لـ (الخرطوم24)  أن هذا القرار سيؤدي إلى تعطيل حركة الإنتاج بالبلاد سواء إنتاجا صناعيا او زراعيا وأضاف لانعلم الغرض من هذا القرار  ويمكن لوزير المالية ترك إعادة تنظيم الأمر لإدارة الجمارك بمحدودية الأقساط مثلا لكن الالغاء الفجائي خطأ يجب اعادة  مراجعته والنظر فيه مرة أخرى.

غريب
ووصف الامين العام لاتحاد الغرفة الصناعية السابق اشرف صلاح قرار وزارة المالية الخاص بايقاف  التقسيط الجمركي بأنه ( غريب ) وتوقيت خاطئ . ونبه اشراف الى ان خلال الفترة الاخيرة الأسواق شهدت حالة ركود وهي أقرب الى الكساد  لاسباب كثيرة ، وقطع بان صدور القرار في هذا التوقيت شيء لايمكن تفسيره.
مضيفا بالقول ان سلطات الجمارك السودانية خلال مسيرتها  اعتادت على منح تسهيلات لمموليها وفقا لضمانات محدده تضمن للدولة عوائدها وظلت الشركات الكبرى على وجه التحديد بانها تسهم بنسبة مقدرة في ايرادات الجمارك ، وقال في تقدري أن الفائدة مشتركة ويساعد في سرعة انسياب السلع لاسيما السلع الهامة ، دون أن تكون المبالغ الجمركية وهي في الأصل مبالغ ضخمة جدا بالبلاد واجبة الدفع فورا وهذه في مصالحة الاقتصاد والمواطن ايضا واعتقد القرار سيكون له آثار سالبة على مجمل العملية الاقتصادية المتعثرة ” اصلا ” وسيقود ذلك الى انكماش كبير ، فضلا عن الابطاء في انسياب السلع ، واضاف أن القرار غير مدروس بدليل انه لم يستثن السلع الأساسية ومدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي.
واردف أن القرار لم يراع الرسوم الجمركية تمثل جزءا كبيرا من تكلفة السلع وهي رسوم عالية جدا ، واردف إلغاء التسهيلات في الدفع بهذا الشكل الفجائي سيقود الى الكثير من الآثار السالبة ولاسيما الشركات الكبرى والمصانع>

مراجعة القرار

ويقول الخبير الجمركي اللواء خليل باشا ان التقسيط الجمركي هو واحد من التسهيلات وتتم لحالات وسلع محددة مثل السلع الاستراتيجية ومدخلات الانتاج التي يكون مردودها ايجابيا على الاقتصاد وقال الباشا (للإنتباهة) ان التقسيط الجمركي هو اجراء متاح وبنص عليه قانون الجمارك وله مرجعية واتفاقيات  مثل اتفاقية (كيوتو للتقسيط الجمركي) وتتبع لمنظمات الجمارك العالمية لافتا الى ان السودان مصادق على تلك الاتفاقيات واشار الى ان مثل هذه القرارات تحد وتتعارض مع التزام البلاد والتمسك بالاتفاق العالمي  و قال اذا حدثت بعض الممارسات الخاطئة من قبل موظفين او موردين او غيرهم فيمكن ان يرشد ويتم العقاب عليه دون اتخاذ مثل هذا القرار المجحف في حق الاقتصاد وتوقع الباشا ان يكون الهدف   من القرار هو الايرادات التي يسعى الوزير ان تدخل خزينة الدولة دفعة واحدة ولكن ربما تكون النتيجة عكسية فقد يلجأ الموردون الى تقليص السلع او التخلي عنها وهنا بدلا من ان تدخل ايرادات كبيرة على دفعات تقل تلك الايرادات ، لافتا الى اهمية ان يخضع هذا القرار الى دراسة ومراجعة حتى يصب في مصلحة اقتصاد البلاد وقال لابد من اشراك اصحاب المصلحة من الموردين والمصدرين في الصورة وهذه تعد نوعا من الشفافيية التي تنادي بها المنظمات العالمية .
واضاف ان وزير مالية هو المشرف على قانون الجمارك لكن يفترض ان يتعامل بالكيفية المطلوبة التي لا تضر الاقتصاد .

معالجة أخطاء
بينما يقول الخبير الضريبي د .عادل عبدالمنعم  لـ(الخرطوم24) ان وزير المالية وجد قرار التقسيط منذ توليه منصب وزير وهو خطأ قديم منذ البداية فكان يفترض ان اي شخص يدخل في برنامج الاستيراد ان يكون قادرا على دفع المبلغ كاملا وقال عبدالمنعم ان نظام التقسيط سبب الكثير من المشاكل فبعض الموردين لا يلتزمون بالسداد رغم القانون يمنع خروج اي سلعة من الحظيرة الجمركيه الا بعد السداد ولفت الى ان التضخم المتزايد واحد من اشكالات التقسيط نسبة ان المبالغ المالية تفقد قيمتها بنسبة ٢٥% لكل شهر وذلك يعني التقسيط لفترة ثلاثة او اربعة اشهر يفقد قيمة الايرادات بنسبة ١٠٠% مشيرا الى ان ايرادات الدولة لا تتحمل خاصة ان ايرادات الدولة الجمركية والضريبية منخفضة لتصل قيمة الناتج المحلي الاجمالي ٥% فقط وتعبر سبة امام العالم ويصنف من الدول المتخلفة وقال ان ارباح الدخل تسهم بحوالي ٦% فقط
واضاف ان قرار الوزير صائب لكن يفترض ان يتم استثناء،للبضائع التي دخلت قبل القرار وما بعده اي شخص يستورد يدفع المبلغ كاملا واكد عبدالمنعم ان اقتصاد البلاد لن يتحسن الا بعد ان تتعالج قصور القوانين السابقة موضحا ان التقسيط الجمركي تسبب في كثير من الاشكالات الاقتصادية .

ونبه الخبير المصرفي د. لؤي عبدالمنعم ان القرار المقصود به جمارك المركبات و كانت إدارة الجمارك قد اصدرت في وقت سابق في ٣٠ يناير ٢٠١٨ قرارا بتقسيط  رسوم العربات المحصورة والمحجوزة في كل المنافذ من ضمنها العربات القادمة من ليبيا والمعروفة (بالبوكو حرام) . وذلك بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية بنسبة ٣٠٠% فوق قدرة أصحاب المركبات على دفعها و اضرار بعضهم خاصة في ولايات دارفور التي تكثر فيها مركبات البوكو لبيع بيوتهم لسداد الجمارك بعد عجزهم عن بيع المركبات قبل تخليصها  و بالتالي تكدس العربات المحجوزة و غير المحصورة التي يحجم اصحابها عن إكمال الإجراءات . و قد تم حينها للتخفيف على المواطنين تقسيط الرسوم الجمركية  لمدة سنة لمن يرغب كما احال القرار السيارات القديمة دون موديل ٢٠١٣  الى لجنة لتقييم رسومها.

ثم تبع ذلك قرار في بداية أغسطس ٢٠٢٢ بزيادة الدولار الجمركي للاستيراد عموما من ٤٤٥ جنيها إلى ٥٦٤ جنيها ، و هو قرار لم يتم فيه استشارة أصحاب المصلحة و الغرف التجارية و تضررت منه عدة صناعات و تسبب في خروج عدد من المصانع من المنافسة و بالتالي ارتفاع اسعار السلع في السوق بشكل كبير بسبب تأثيره في زيادة تكاليف الإنتاج و النقل، خاصة انه تزامن مع زيادة رابعة في أسعار الوقود إلى جانب تسعيرة الكهرباء.
و عليه فإن قرار الغاء تقسيط رسوم الجمارك للمركبات من شأنه زيادة أسعار المركبات في السوق و بالتالي مضاعفة أزمة ارتفاع تكاليف النقل (التي تقاس استنادا الى سعر الوقود إلى جانب سعر المركبة في السوق) بسبب عجز كثير من المواطنين عن تخليص مركباتهم  لارتفاع قيمة الرسوم خاصة بعد رفع الدولار الجمركي بما يجاري أسعار البنوك التجارية في الوقت الذي تم فيه زيادة الرسوم الجمركية عدة مرات آخرها في يونيو ٢٠٢٢ كما تقدم ذكره خاصة سيارات النقل التي تقل حمولتها عن ٢ طن.
و مقارنة بالجارة مصر فقد تم منح جملة من الامتيازات للمواطنين المغتربين و المستثمرين في بداية سبتمبر ٢٠٢١ للحد من أزمة ارتفاع تكاليف النقل ابرزها الآتي:
اعفاء السيارات المستوردة بغرض السياحة بشكل كامل باستثناء سيارات الليموزين التي تمنح تخفيض ٤٠٠ ألف جنيه.
وتقسيط رسوم مركبات المغتربين العائدين من الخارج عبر مبادرة بين وزارة الهجرة والبنك المركزي المصري. و هذا الإجراء في تقديري افضل من الاعفاء المتذبذب في السودان و الذي اسيئ استخدامه في بيع الاستثناءات للتجار.
البنك المركزي المصري يدرس حاليا تقسيط المركبات للمغتربين العائدين بشكل مباشر بدون مبادرة من وزارة الهجرة لمدة عامين مقابل رسوم ادارية/فائدة بنسبة ٥% مع حظر بيع المركبات خلال فترة التقسيط أو بعد مضي مدة محددة.
تيسير حركة التجارة لتحفيز الاستثمار عبر خفض تكلفة الاستيراد والتصدير و استخدام الحلول التقنية لتخفيض زمن التخليص.
تقسيط (التأمين النقدي) للمخلصين الجمركيين على ٥ سنوات بأقساط متساوية.
قبول (التعهد) كضمان في الجمارك دون الحاجة إلى ضمانات نقدية أو خطابات ضمانات بنكية ، و اذا تم اعتماد ذلك في السودان اقترح ان يكون التعهد من جهاز المغتربين مقابل رسوم محددة رمزية.
من خلال ما تقدم ذكره واضح ان هناك فجوة بين ما يصدر من قرارات متسرعة بدون دراسة في السودان و ما هو مطبق في الدول التي تلتزم بتوصيات الخبراء و الورش المتخصصة و الغرف التجارية.

 



شارك هذه المقالة