اختتم مؤتمر المائدة المستديرة الذي نظمته مبادرة نداء السودان بقيادة الشيخ الطيب الجد بنجاح بقاعة الصداقة بالخرطوم يوم الأحد الرابع عشر من اغسطس 2022م، وقد شاركت في المؤتمر قطاعات سياسية واسعة مثلت معظم القوى السياسية المعتبرة في السودان، فقد جاء رجال الطرق الصوفية بشيوخهم وملابسهم البيضاء، وجاء رجال الإدارة الأهلية بعصيّهم وأزياءهم المميزة، وجاءت كتل سياسية كبيرة ومعتبرة بقياداتها ورجال صفها الأول، وشاركت قطاعات واسعة من المهنيين والمبدعين والرياضيين.. وغيرهم، وكان مسك الختام التوصيات التي صدرت عن المؤتمر وتمخضت عن اجتماعات اللجان المتخصصة التي توزعت عليها المهام والقضايا خلال المؤتمر.
التوصيات التي صدرت عن المؤتمر عبّرت بصدق عن هوية الشعب السوداني، ومحت الصورة البئيسة التي حاول البعض أن يصبغ بها الشعب السوداني خلال فترة حكم حمدوك وقوى الحرية والتغيير، فقد نصت التوصيات بوضوح على هوية الشعب السوداني وتقاليده المستمدة من الإسلام، واقترحت ـ على سبيل المثال ـ ألا يتولى رئاسة الوزراء في الفترة القادمة شخص من مزدوجي الجنسية من الذين يحملون في جيوبهم هويات دول أخرى، لأن ذلك أدعى للازدواجية في الولاء واقرب للسيولة في المواقف التي تحتاج إلى حسم وهو ما لن يقدر عليه بقوة إلا من يحملون الهوية السودانية فقط، وهذا أمر مجرب، شاهده الشعب السوداني بأم عينه خلال فترة حكم حمدوك وقوى الحرية والتغيير، والأمثلة أشهر من أن يتم التذكير بها، كما دعت التوصيات إلى إصلاح الاقتصاد وفق رؤية وطنية تتجاوز التخبط الذي صاحب قطاع الاقتصاد في الفترة الماضية وأورث السودانيين رهقا في العيش وضيقا في المعيشة، واهتمت التوصيات بقضايا السلام، والشباب، والمرأة، والعلاقات الخارجية، والرياضة.. إلى آخر التوصيات المتميزة.
والذي يشغل بال الكثيرين من الوطنيين والغيورين على أمر الوطن؛ هل تمضى هذه التوصيات إلى نهاياتها بحيث تكون واقعا يعاش ويمشي بين الناس؟ وهل يواصل رجال مبادرة نداء السودان السعي إلى آخر المطاف حتى يطمئنوا على تنفيذ توصياتهم بعد الجهد الخارق الذي بذلوه في قيام وتنظيم المؤتمر؟ وعلى (يخنس) المتآمرون والكائدون لهذا الوطن ويلزموا حدودهم بعد هذا الذي رأوه من مشاركة قطاعات واسعة من الشعب السوداني في المبادرة ومؤتمر المائدة المستديرة؟ أم سيواصلون كيدهم وتآمرهم بمختلف الطرق وشتى الأساليب؟
المطلوب لتنفيذ هذه التوصيات وصيانة هذه الجهود، أن تتوفر إرادة سياسية قوية تصل بهذه التوصيات إلى نهايتها، وهذا يلقي بالعبء على اللجنة التنفيذية لمبادرة نداء السودان التي تضم كل قيادات الكتل السياسية ورجال الإدارة الأهلية وشيوخ الطرق الصوفية، الموقعين على مبادرة نداء السودان، وأن تمضي هذه اللجنة التنفيذية إلى نهاية الشوط برعاية هذه التوصيات ومتابعتها مع الجهات ذات الاختصاص، سواء أكانت قوى سياسية أو القوات النظامية، أو المجتمع الدولي، حتى تطمئن على تطبيقها واقعا معاشا في دنيا الناس، ومن هنا ننبه الإخوة في اللجنة التنفيذية للمبادرة أن مهمتهم لم تنته بعد، بل بدأ الشق الأصعب فيها، وهذا ما دعت له بعض الأصوات من داخل مؤتمر المائدة المستديرة ونبهوا إلى أن تواصل اللجنة التنفيذية جهدها وعملها دون كلل بنفس الهمة التي بدأت بها المبادرة، وذلك تأسيا ببعض مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال لأصحابه بعد إحدى الغزوات لا تضعوا سلاحكم، وعلى اللجنة التنفيذية ألّا تركن إلى الراحة ولا تفرط في مصدر قوتها المتمثل في التوصيات التي أجيزت والقوى السياسية الضخمة التي تقف وراءها.
ومن المتوقع أن تثير هذه التوصيات وذلكم النجاح الذي كلل مؤتمر المائدة المستديرة حنق وغضب وغيظ كثير من القوى التي لا تريد للسودان استقرارا ولا سلاما، ومن المحتمل ـ بل لعله من المؤكد ـ أن تتحرك قوى المخابرات المعادية، والقوى العالمية والإقليمية المتآمرة على السودان، فتوعز إلى وكلائها أن هلموا إلى تخريب نتائج هذا المؤتمر والحيلولة دون تنفيذ توصياته، وبالتالي ستنطلق في الأيام القادمة تحركات محمومة لإفشال نتائج المؤتمر، وطبعا ستدعي أنها تنطلق من الحرص على التوافق الوطني وضرورة استيعاب كل القوى السياسية في العملية السياسية القادمة.. إلى آخر (الإكليشهات) المستهلكة في مثل هذه الحالات، ولكن الهدف معروف، والغاية مرصودة، وهي اختطاف القرار السياسي ومصير البلاد من القوى الحية والكبيرة والمؤثرة، التي مثلتها بحق القوى التي شاركت في مؤتمر المائدة المستديرة، وجعله في أيدي بعض (النشطاء) من الذين لا يجيدون فن الحكم، ولا يمتّون لقيم الشعب السوداني بصلة، من الذين تمت تجربتهم في الحكم وبان عوارهم في الإدارة والعمل العام.
وإذا كانت الوثيقة الدستورية سيئة الذكر قد سادت لأكثر من عامين دون وجه حق، وهي المعيبة قانونيا وسياسيا؛ فإن التوصيات التي صدرت عن مؤتمر المائدة المستديرة لجديرة أن تكون أساسا لإعلان دستوري يحكم بقية الفترة الانتقالية، وقد تم نقاش مستفيض داخل المؤتمر حول مهام الفترة الانتقالية، بل كان هذا النقاش هو الأصل في المؤتمر وتوصياته، وصدرت توجيهات ومبادئ قيمة في هذا الإطار تصلح أن تكون أساسا لتنظيم ما تبقى من الفترة الانتقالية.
نعود فنذكّر أن توصيات ومخرجات المائدة المستديرة التي اختتمت بها مبادرة نداء السودان أعمالها في الفترة الماضية تمثل بلا ريب غالبية الشعب السوداني وذلك حسب القوى التي شاركت في فعاليات المؤتمر وانخرطت في لجانه المختلفة ورعت توصياته ممن أشرنا إليهم آنفا، وأن هذه التوصيات نفسها نابعة من عقيدة ووجدان الشعب السوداني وليست مخالفة له كبقية الوثائق السياسية والقانونية التي حكمت في الفترة الماضية إبان حكم حمدوك وقوى الحرية والتغيير، وأن اللجنة التنفيذية منوط بها أدوار خطيرة وشاقة في المرحلة القادمة للوصول بهذه التوصيات إلى نهاية الشوط، وأن مهمتها لم تنته بل بدا الجانب الشاق فيها وعليها ألا تركن للراحة ولا تعتقد أنها وصلت خاتمة المطاف، وأن القوى المعادية والمتآمرة لن يهدأ لها بال حتى تسعى لإجهاض هذه التوصيات، والمراقب الحصيف للساحة السياسية السودانية يرى أن مثل هذه الجهود قد أطلت برأسها، وما تخفي الكواليس أكبر، ومن هنا وجبت الحيطة والحذر لئلا تُسرق الجهود وتجهض المساعي وينحرف المسار كما حدث في العامين الماضيين، وأخيرا فإن توصيات مؤتمر المائدة المستديرة تمثل خلاصا لأهل السودان، وفرصة ذهبية يجب عدم إضاعتها في مماحكات سياسية عقيمة، أو رهبة من قوى محلية أو إقليمية أو عالمية لا تستطيع النيل من شعب توحدت إرادته خلف توصيات تمثل عقيدته وهويته.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس