موازنة ٢٠٢٣م.. هل ستصمد بعد الإجازة؟

موازنة ٢٠٢٣م.. هل ستصمد بعد الإجازة؟


الخرطوم: هالة حافظ

تخوف عدد من الخبراء في الشأن الاقتصادي من عدم جدوى الميزانية لعام ٢٠٢٣م، لجهة انها تواجه تحديات مستعصية وصعبة، وبرروا ذلك بتنفيذ الميزانية في النصف الاخير من السنة، بينما اكد آخرون فشل كل الموازنات التي يتم وضعها في البلاد بسبب التفكير بصورة تلقائية في جيب المواطن الذي اصبح خالياً من المال. ولم يكن الحديث بعدم التفاؤل بعيداً عن السابقين، حيث جزم الناطق باسم حزب البعث بأن الحديث عن إعداد الموازنة يصبح ليس ذا قيمة، وبالتالي قطع بأن موازنة ٢٠٢٣م ستكون اكثر ميزانية في تاريخ السودان مضطربة وبلغت أعلى نسبة عجز.
موازنات سابقة
وحال رجعنا خطوة للوراء نجد ان موازنة عام ٢٠١٩ كانت واحداً من الأسباب التي قادت الى الاحتجاجات، وساهمت في انفجار الأوضاع الاقتصادية، ومن بينها أزمة السيولة في الأسواق وارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار القطاعات الإنتاجية.
الا انه في نهاية 2018م أقر البرلمان السوداني موازنة 2019 بإيرادات مقدرة بـ 162.8 مليار جنيه (3.4 مليارات دولار)، ومصروفات بنحو 194.760 مليار جنيه (4.1 مليار دولار).
وتوقعت الحكومة حينذاك انخفاض عجز الموازنة إلى 3.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 3.7 بالمئة في 2018م.
الناتج المحلي
كما قدرت الحكومة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بـ 5.1 بالمئة في 2019م، مقابل نحو أربعة بالمئة في 2018.
اما الموازنة العامة لسنة 2020 فقد ركزت على الدعم الخارجي. وأكدت وزارة المالية أنّ إجمالي موازنة عام 2020، يقدر بــ 287 مليار جنيه في الإيرادات العامة بعجز نسبته 2.8% مقارنة مع 3.7% عام 2019، ومعدل نمو 3.1% واستهدفت تضخماً بنسبة 28.7%.
وقدرت للضرائب مبلغ 158.9 مليار جنيه، والإيرادات العامة والمنح الأجنبية رصدت لها مبلغ 611.3 مليار جنيه مقارنة بـ 164.8 مليار جنيه في 2019، والإيرادات الأخرى 128.8 مليار جنيه، والمنح الأجنبية 323.3 مليار جنيه، والمشروعات التنموية النقدية 44 مليار جنيه مقارنة بـ9.4 مليارات جنيه في 2019 بمعدل تغير 3.33%، والمنح من أصدقاء السودان 279.3 مليار جنيه.
كما قدرت المصروفات بـ 626.6 مليار جنيه مقارنة بـ194.8 مليار جنيه في 2019، بمعدل تغير بالعملة يُقدر بـ431.8 مليار جنيه وبنسبة 221.6%، وتعويضات العاملين 131 مليار جنيه مقارنة بـ48.8 مليار جنيه في 2019، وسلع وخدمات 35 مليار جنيه مقارنة بـ21.1 مليار جنيه في 2019 بمعدل تغير 65.8%، وسلع وخدمات 640 مليار جنيه مقارنة بـ124.9 مليار جنيه في 2019 بمعدل تغير 268.3%.
وتوقعت الموازنة حينها أن يصل عرض النقود إلى 1088.8 مليار جنيه بمعدل نمو بنسبة 59% عن موازنة 2019 والمصروفات 32.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشارت الموازنة إلى انخفاض كلفة الدعم السلعي بما يقارب 90 مليار جنيه بانخفاض 66.4% عن اعتماد 2019، مؤكدة استناد كلفة الدعم السلعي الى الدعم المتدرج، وثبات البند المخصص للسلع الأخرى على 11 مليار جنيه في كل من موازنة ٢٠٢٠ وموازنة 2019م.
وركزت موازنة ٢٠٢٠ على تثبيت الاقتصاد الكلي وتحقيق استدامة الاستقرار الاقتصادي بضبط ومراجعة سعر الصرف والتضخم وتخفيف حدة الفقر وتحسين المستوى المعيشي وتقوية العلاقات الخارجية مع الدول كافة وبسط السلام الشامل وتحقيق الوحدة الوطنية وقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحفظ التوازن البيئي.
زيادة المصروفات
اما مسودة موازنة عام 2021م فقد أشارت لارتفاع اجمالي الايرادات المتوقعة في الموازنة لـ (899,714) مليار جنيه، وإجمالي المصروفات لـ (896,754) مليار جنيه، واشارت الى أن متوسط الزيادة في الايرادات العامة 77% من بينها الضرائب المباشرة وغير المباشرة بزيادة بنسبة 60%، بينما بلغت الزيادة في المصروفات بنسبة 53% وتوقعت حينها زيادة صافي رصيد التشغيل لـ(2,961) مليار جنيه، وحدوث عجز كلي في الموازنة بمبلغ (73,562) مليار جنيه.
كما استهدفت الموازنة في الإطار الكلي سعر صرف بمبلغ (55) جنيهاً ودولاراً جمركياً بسعر (15) جنيهاً ومعدل نمو بنسبة 1% وتضخم في إطار حاجز الرقمين 95%، ونمو في عرض النقود بنسبة لا تزيد عن 30%، واستدانة من النظام المصرفي في حدود (52) مليار جنيه.
وأشارت الى زيادة الصرف على قطاعي الدفاع والأمن بزيادة ميزانية وزارة الدفاع من (32,918) مليار جنيه في 2020 الى (89,818) مليار جنيه في 2021 بزيادة بنسبة 173%، وزيادة الميزانية المخصصة للدعم السريع من (14,500) في 2020 الى (37,010) مليار جنيه بنسبة زيادة 155%، وزيادة ميزانية وزارة الداخلية من (17,370) في 2020 الى (52,535) مليار جنيه في 2021 بنسبة زيادة 202%.
وأظهرت المسودة زيادة كبيرة في بند المصروفات للقطاعات غير الإنتاجية (قطاع الأجهزة السيادية) بزيادة ميزانية المجلس السيادي الانتقالي من (2,513) مليار جنيه في ميزانية 2020م الى (5,680) مليار جنيه بنسبة زيادة 126%، وزيادة ميزانية مجلس الوزراء من (298) مليون جنيه الى (2,628) مليار جنيه بنسبة زيادة 782%، والهيئة القضائية من (3,660) مليار جنيه الى (10,700) مليار جنيه بنسبة زيادة 192%، وتخصيص مبلغ (22,100) مليار جنيه لجهاز المخابرات، فضلاً عن زيادة ميزانية وزارة الخارجية من (182) مليون جنيه الى (328) مليون جنيه بنسبة زيادة 80%.
وعود بالدعم
أما الصرف على القطاعات التنموية فقد شهد زيادات في بعضها وخفضاً في البعض الآخر، بزيادة قطاع الصحة من (21,049) في 2020 الى (42,385) مليار جنيه في 2021 بزيادة بنسبة 105%، وحدد لقطاع التعليم مبلغ (6,235) مليار جنيه مقارنة بميزانيته في عام 2020 والبالغة (14,869) مليار جنيه بنسبة 58%، واجمالي القطاع الزراعي (11,320) في 2021 مقارنة بـ(6,148) مليار جنيه في 2020 بنسبة 84%، أما في قطاع البنى التحتية فتم رصد ميزانية بمبلغ (3065) ملياراً في 2021 مقارنة بميزانية 2020 التي بلغت (1,927) مليار جنيه بنسبة 59%، بينما قفزت ميزانية التنمية الى (78,363) في 2021 مقارنة بـ (57,975) مليار في 2020م. واستهدفت الموازنة الحصول على منح بمبلغ (192,655) مليار مقارنة بالمستهدفة في 2020 والمقدرة بـ (105,875) مليار جنيه بنسبة زيادة 82%، وأشارت الى تلقي الحكومة وعوداً مؤكدة انعكست على الايرادات في الموازنة في شكل منح نقدية للمشروعات التنموية بمبلغ (52,408) مليار جنيه، ومنح عينية بمبلغ (115,940) مليار جنيه باجمالي (164,348) مليار جنيه .
وشهدت البنود الممركزة وشراء السلع والخدمات زيادة بنسب عالية حيث رصد لبند الطوارئ مبلغ (33,777) مليار جنيه في 2021 مقارنة بـ (14,220) مليار جنيه في 2020م، واحتياطي سلع وخدمات بمبلغ (7,500) مليار جنيه مقارنة بـ (1,510) مليارات جنيه في 2020م بنسبة زيادة 400%.
وأشارت الموازنة الى ارتفاع مبيعات المشتقات النفطية (بنزين وجازولين) بعد رفع الدعم الكلي عن الوقود لمبلغ (296,730) مليار جنيه كايرادات في الموازنة بزيادة بلغت  616% من العام 2020م.
موازنة 2023م
أعلن مجلس الوزراء في منتصف يناير عام ٢٠٢٢م، أنه صادق بالقراءة الأولى على موازنة العام المالي 2022م.
الا ان إقرار الموازنة تأخر بسبب أزمة سياسية حادة تعاني منها البلاد منذ 25 أكتوبر، حيث تتهم القوى السياسية والشعبية قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بتنفيذ انقلاب عسكري،
وقد بدأت السنة المالية لعام ٢٠٢٢ في السودان مطلع يناير، وقال مجلس الوزراء إن موازنة 2022م تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدولة، للوصول إلى معدل نمو مستدام وخفض معدلات التضخم واستقرار ومرونة سعر الصرف وتحسين معاش الناس ومرتبات العاملين بالدولة.
ولم يذكر مجلس الوزراء في بيانه أية أرقام لموازنة ٢٠٢٢م، اما في ما يخص موازنة ٢٠٢٣ فقد قرر السودان الاعتماد على الإيرادات المحلية التي تتمثل في الضرائب والرسوم الحكومية وعائدات الذهب والنفط في موازنة العام 2023.
وحصر المجتمع الدولي دعمه إلى الخرطوم في الشؤون الإنسانية فقط، بعد أن علق مساعدات وقروضاً تبلغ مليارات الدولارات عقب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، وشمل التعليق عملية إعفاء نحو 50 مليار دولار من ديون البلاد. وأكدت وزارة المالية ان موازنة العام القادم ٢٠٢٣م ستعتمد على الإيرادات الذاتية مما يتطلب تحريك الموارد من الضرائب والجمارك والرسوم الإدارية وعوائد الذهب والنفط. وأشارت المالية إلى تشكيل لجنة لمراجعة الرواتب للعاملين في مؤسسات الدولة.
مزيد من الضرائب
ويقول الخبير الاقتصادي محمد شيخون إن الموازنة السابقة لعام ٢٠٢٢م اعتمدت بشكلها الأساسي على الضرائب غير المباشرة والضرائب المباشرة، في حين انها اعتمدت ايضاً على الإصدار النقدي اي طباعة النقود، وأبان في حديثه لـ (الخرطوم24) أن الموازنة المقبلة لعام ٢٠٢٣م ستعتمد على المزيد من الضرائب المباشرة، لجهة ان هنالك ارتفاعاً في المعدل العام للاسعار، اي انهم سيحتاجون إلى المزيد من الضرائب ومزيد من الإصدار النقدي، لكن الرهان على تدفقات من النقد الأجنبي في شكل منح او قروض اسعافية او استثمارات ليس في الامل المنظور وتابع قائلاً: اكثر الناس تفاؤلاً يمكن أن يأمل أن تكون في النصف الاخير من السنة، لجهة ان التسوية تعتبر جدول أعمال للتفاوض حول قضايا صعبة ومستعصية، واردف قائلاً: بالتالي لا يتوقع أن تكون هناك حكومة وحل لمشكلة الأزمة السياسية الحالية والحصول على الدعم والمنح او تخفيض الديون، مشيراً الى ان تخفيض الديون تم تجميده وليس الغاؤه، واذن رفع التجميد يحتاج إلى قدر من الثقة في الوضع الجديد، وهذا لن يحدث في أقل من نصف العام القادم في أحسن التقديرات.

مأزق  
ويرى الناطق الرسمي باسم حزب البعث الاشتراكي عادل خلف الله أنه لوضع اية ميزانية يجب أن تكون هناك حكومة، وأوضح لـ (الخرطوم24) أن هناك جهة فنية تقوم بإعداد الميزانية حسب مرجعيات وفلسفة لمستهدفات الموازنة، اي الاهداف القريبة والبعيدة للموازنة، اما في الوضع الراهن وحسب تصريحات قائد الانقلاب بعدم وجود حكومة يصبح اي حديث عن إعداد موازنة حديثاً ليس ذات قيمة، وأضاف ان الموازنة التي تم اعدادها في فترة الانقلاب عقب ٢٥ أكتوبر تأخر اعدادها باعتبار أن الانقلاب ادخل البلاد في مأزق جديد مع عدم وجود بيانات عن إيرادات او منصرفات الموازنة، بيد أن الخط العام عبر عنه وزير المالية جبريل إبراهيم، وقال: ان موازنة عام ٢٠٢٢م قائمة على فكرة الاعتماد على الذات، وما اتضح لنا أنه ليس لديه مفهوم لا اقتصادي ولا اجتماعي لما سماه الاعتماد على الذات، واقتصر هذا المعنى بفرض مزيد من الأعباء الضريبية المباشرة وغير المباشرة كمصدر رئيس لتغطية الإنفاق المتعاظم للسلطة، مما قاد كما توقعنا إلى عواقب وخيمة، وذلك بعدم تحقيق الربط المبالغ فيه للضرائب او الجمارك او المصادر الايرادية عامة، للزيادات الباهظة على الرسوم والمعاملات، وبالتالي تصبح اكثر ميزانية في تاريخ السودان مضطربة، وأعلى عجز شهدته في الميزانين الداخلي والخارجى، ولجأت الموازنة السابقة مع تراجع الصادرات والواردات وانكماش القطاع الإنتاجي إلى تغطية العجز بمسميات مختلفة مثل الجبايات والتوسع في الاستدانة، في ظل عدم تدفق مصادر النقد الأجنبي سواء منح او قروض، وهذا الوضع الذي يواجه الآن السلطة الانقلابية ووزارة ماليتها، واي حديث عن إعداد موازنة في هذه الأجواء يصبح حديثاً لا جدوى له، الا ان الموازنة مظهر من مظاهر الأزمة التي فاقمها انقلاب ٢٥ اكتوبر عام ٢٠٢١م.
تحديات فائقة
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الناير أن موازنة ٢٠٢٣م مواجهة بتحديات كثيرة تكاد تفوق التحديات الخاصة بموازنة ٢٠٢٢م، باعتبار أن هناك تحدياً لزيادة المرتبات والاجور في القطاع العام، باعتبار أن الزيادات التي تمت في العام السابق لم تكن مرضية ولم تحقق الادنى في مستوى المعيشة، وبالتالي على الدولة ان تجري تعديلاً كبيراً في المرتبات والاجور للعاملين في القطاع العام، حتى يكفي الحد الأدنى لمستوى المعيشة، وهذا يحتاج إلى تدبير موارد إيرادية جديدة، ويفترض على الدولة ان تستنبط موارد إيرادية جديدة لا تمس حياة المواطن بعكس ما كان الوضع في ٢٠٢٢م، وتوقع في حديثه لـ (الخرطوم24) أن تعتمد موازنة ٢٠٢٣م على الذات، ولا نتوقع أن تأتي منح او قروض خارجية رغم إتمام الاتفاق الاطاري، حيث انه يعتبر اتفاقاً مبدئياً وليس نهائياً، والمجتمع الدولي وجد بعض الحجج في ما يخص إجراءات ٢٥ أكتوبر، ويشترط إتمام اتفاق نهائي حتى يتعاون مع السودان.



شارك هذه المقالة