تقرير: منال صديق
حذر البروفسر علاء الدين الزاكي الأستاذ الجامعي وعضو مجلس حكماء السودان من تكرار نموذج دولة يوغسفلايا بالسودان التي تم تفكيكها لسبع دويلات، وقد جاء حديثه في ورقة علمية بعنوان “خطاب الكراهية”، قدمها في ورشة عمل بعنوان (السودان بين الواقع المأزوم والمستقبل المأمول) والتي أقامتها مجموعة خبراء بلادي السبت الماضي والتي عقدت بوكالة سونا السبت المنصرم.
وقال الزاكي أن السودان ليس ببعيد أن يفتت دويلات بسبب خطر العصبية، تضمنت الورقة عدداً من النقاط المهمة التي تعكس مدى تأزم الحالة السودانية، وأولى النقاط التي أورتها الورقة مسالة صناعة الأزمة التى تعد واحدة من 36 أداة من أدوات الصراع الاستراتيجي بالعالم، التي تستخدم في كثير من الدول حتى تكون المناطق مأزومة, والسودان متوفر به كل تلك الأدوات من أدوات الصراع، مشيراً إلى أن العصبية وواحدة من أدوات صناعة الأزمة بالسودان وتعني التحيز لجهة ما كحزب أو لقبيلة أو لعشيرة أو لمنطقة ما أو لغير ذلك، وتستخدم فيها وسائل الدفاع المضرة بالمجتمع، وتكون هذه العصبيات معقد الولاء والبراء، مشيراً إلى أن هذه العصبيات اذا ما وجدت ستضر بالمجتمع وتعمل علي تفتيته وتقسيمه، وتدخل فيه أموراً مضرة سواء لمجتمع الأسرة أو الحي أو الدولة، وأشارت الورقة الى تعمق العصبية بالسودان في الآونة الأخيرة بصورة تشكل خطرا على المجتمع السوداني وتترتب عليها أثار مستقبلية كارثية.
نظرة سالبة
وأشارت الورقة لأسباب عديدة ساهمت في صناعة الأزمة منها النظرة السالبة للتنوع البشري بالسودان، منوهة إلى أن الله سبحانه وتعالى أوجد هذا التنوع من أجل التعارف بين الناس وفقاً لما جاء في قوله تعالى(يأيها الناس أنا خلقانكم من زكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو).
وأشارت الورقة إلى أنه توجد به 3102 قبيلة في العالم، وأن السودان وحده توجد 570 قبيلة يتحدثون 114 لغة هي من السهولة اختراقها، وأن النظرات السالبة بالمجتمع تحدث خلافات ونزاعات وتوجد شواهد على هذا الأمر بالدولة المجاورة منذ سقوط نظام محمد سياد بري بالصومال أستطاع صناع الأزمات أن يدخلو المجتمع الصومالي وتم تفتيته ومازالت المشكلة قائمة حتى الآن.
النقطة الثانية التي أشارت اليها الورقة هي القوانين الدولية أو القوانين المحلية والتي لها كبير الأثر في قضية تعميق العصبية ففي العام 1922م تم وضع قانون المناطق المقفولة بالسودان والذي بموجبه تم حصر سبعه مناطق بالسودان، ومنع الناس من التداخل مما أدى الي غياب التبادل الثقافي مما خلق حواجز وخلافات بينها والمناطق الشمالية، ما زالت قائمة حتى اليوم, أضافة الى ذلك أشارت الورقة، فيما يتعلق بالقوانين، الى قانون الإدارات الأهلية الذي وضعه الإنجليز ولعب دور كبير في تعميق الخلافات القبلية، الأمر بحاجة للمراجعة حتى يكون داعماً لرتق النسيج والتماسك الإجتماعي .
ممارسات غير راشدة
وأشار الشيخ علاء الدين الزاكي في ورقته إلى الممارسات السياسية غير الراشدة باعتبارها أحد م،ن أسباب تعميق العصبية بالمجتمع ضارباً المثل بالاستقطاب الجماهيري على أساس قبلية أو منطقة أو على أساس لون، بالإضافة إلى المماسات السياسية غير الراشدة في قضية الخلافات من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وأكدت الورقة على أن قضية العصبية والقبلية بالسودان التي ظهرت على السطح لم تأتي بالصدفه وأنما هي مسألة مرتب ومنظم لها
كما أشارت الورقة الي قضية ضعف الجبهة الداخلية في مجابهة المخاطر الخارجية التي تواجه البلاد ومنها الصراع على ،ثروات السودان، مستشهداً بقيام بعض القنوات والمواقع الامريكية ولأول مرة بث برامج تتحدث عن نهب ثروات السودان بطريقة غير صحيحة وتحاول أقناع الشعب السوداني بأن هنالك جهات تسرق ثروات السودان، تحرم الشعب من الاستفادة، مما يعني أن هنالك صراع دولي علي ثروات البلاد ، الزراعية خاصة، ولفتت إلى الأزمة عالمية القائمة بعد أعلنت الهند التوقف عن تصدير القمح واعلان بعض الدول الجفاف، ولايوجد حل غير السودان، وأشارت إلى أن أضعاف الجبهة الداخلية ووقوة الهجمات الخارجية علي البلاد هدفه نهب ثروات البلاد.
استغلال للعصبية:
ونبّه البروفيسور علاء الدين الزاكي خلال ورقته إلى خطر سفك الدماء، وأوضح أنه رغما عن ما حدث من اقتتال نتيجة للخطط التي تم وضعها من قبل صناع الأزمة بالسودان إلا وأن وحدة النسيج والتماسك الاجتماعي تغلبت علي استغلال العصبيات، وأنه رغم موت 70 شخصا في آخر صراعات قبيلية، إلا أن الأمور نقلبت إلى توافق ونسيان للماضي، وهذا أحد مواطن القوة بالسودان تماسك النسيج الاجتماعي.
محذراً إلى أن العصبيات إذا ما استغلت بشكل سلبي يمكن أن تفتت الدولة السودانية على أساس جهوي أو قبلي، فمثلا دارفور يمكن ان تنقسم الي دويلات، مثل دولة الزغاوة ودولة الفور وهكذا مما يؤدي إلى تقسم السودان إلى دويلات أصغر مما نتوقع، خاصة ون القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يعطي الشعوب حق تقرير المصير وهو ما استفادت منها حركات التحرر في استقلال الدول، ولكن هذه المادة غامضة جدا وهي استغلت لتفيت الدول رغما عن اختلاف فقهاء القانون حولها ولكنها بمثابة السيف المسلط علي رقاب الدول، فدولة يوغسلافيا السابقة مثال لذلك، فقد تم تفكيكها لسبع دول، والسودان ليس ببعيد أن يفتت إلى دويلات بسبب خطر العصبية أياً كان نوعها، وقد قضت محكمة العدل الدولية في كثير من القضايا المشابهة.
خاتمة وتوصيات
وقد أوصت الورقة بضرورة تدارك خطر العصبية بالعمل على استقرار سياسي عاجل، وإيجاد عقل استراتيجي في الدولة وقرون أستشعار تستشعر المخاطر المحدقة بالبلاد، وأوصت كذلك بدراسة جذور مشكلة العصبية بالسودان ووضع الحلول المناسبة لها مع رفع المستوى الثقافي للمجتمع السوداني ليتحدث عن السودان كدولة ولايتحدث عن قبيلة ولا الجهوية ولا العنصرية ولا الجنس ولا اللون ، ووجهت الورقة بعدم الاستغلال السيئ من السياسين لقضايا التنوع الموجودة بالسودان لتاجيج الصراع بين مكونات المجتمع وتحقيق مكاسب سياسية، كما طالبت الورقة بإعمال القانون في مواجهة كل العصبيات فالذي لا يردعه صوت الحق والنصيحة وجلسات الصلح والتسويات التي تجري هنا وهنالك بين المتصارعين يجب أن يردعه القانون حفاظا على الدولة وحفاظا على المجتمع وحفاظا على الفرد السوداني، وكانت آخر التوصيات التي تضمنتها الورقة ضرورة وجود منهجية علمية لكيفية الاستفادة من حلقات الصلح التي تعقد هنا وهناك لأن الصلح لحظة فارقة بين حالة الاستقرار وحالة لا استقرار ولكن توجد مسافة بين هذه الحالتين وهي قضية الاستفادة من حالة الصلح التي جاءت بسبب مشكلة قامت في سبيل إيجاد برامج علمية ممنهجة لأذابة كل الجذور الأساسية لهذه المشكلة.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس