الخرطوم: هالة حافظ
يبدو ان هناك جهات عديدة تحاول التنافس بغرض السيطرة على ميناء بورتسودان الاستراتيجي، وابرز هذه الجهات روسيا التي وقعت على اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية عسكرية لموسكو في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.
وخلال اليومين الماضيين كشفت حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) عن صدور قرار من قبل وزير النقل المكلف هاشم أبو زيد بخصخصة مربطي (25/26) في ميناء بورتسودان، وذلك استناداً الى الصلاحيات الممنوحة له. فيما أبانت أن مدير الموانئ البحرية اعترض على الخطوة ولوح باستقالته في حالة تنفيذ قرار الخصخصة. وقالت حركة (حق) بالبحر الأحمر في بيان لها إن وزير النقل المكلف اتخذ قرار إنفاذ الخصخصة للمربطين في وقت تستشرف فيه البلاد إعلان الحكومة الانتقالية، مستغلاً اللحظات الأخيرة لحكومة الانقلاب الفاقدة للشرعية.
وقد تم اعفاء مدير هيئة الموانئ البحرية ابراهيم يوسف بعد رفضه قرار وزير النقل المكلف الذي يسمح لشركة الشيخ مصطفى الأمين بإنشاء رصيف بميناء بورتسودان، وتكليف محمد حسن مختار خلفاً له بغرض تصريف اعباء المدير العام للموانئ البحرية.
طاشة شبكة
وكشف رئيس الهيئة النقابية المجمدة لعمال الموانئ عبود الشربيني أن الصراع الحالي هو صراع وزير النقل وجهات سياسية وصفها بأنها (طاشة شبكة) مثل الحرية والتغيير، وقال لـ (الخرطوم24): (لا نريد أن ندخل الخدمة المدنية مع السياسة)، وأوضح أن مدير عام هيئة الموانئ البحرية محمد حسن مختار أكد أن الميناء سودانية وعند الانتهاء من فترة توليه مهام إدارة الميناء سيسلم الميناء سودانية ١٠٠٪ دون أية خصخصة، وتساءل قائلاً: (لزوم الصراع تاني شنو؟).
وجزم بأنهم لن يوافقوا لوزير النقل او وزير المالية على تنفيذ اية أجندة خارجية في ظل حكومة انتقالية، مشيراً إلى أن مدير الميناء طمأن إدارة الميناء بعدم وجود أية خصخصة، وقال إن الاجتماع الذي تم عقده بالأمس اجتماع لمجلس الإدارة بغرض اجازة الميزانية للربع الاخير، مشيراً إلى أن الأوضاع الآن في الميناء مستقرة والهيئة تعمل بالصورة المطلوبة دون أية خلافات، وتابع قائلاً: (مازلنا متمسكين بعدم تمرير اية أجندة على ساحل البحر الأحمر ما لم تكن هناك حكومة منتخبة ومعترف بها دولياً)، وقال إن المدير الجديد محمد حسن مختار يعتبر ابن الميناء اباً عن جد لجهة ان والده اول مدير ميناء في السودان وجميع العامين في الميناء مؤيدون لتعيينه كمدير لهيئة الميناء، وقال: (إن هذا الأمر لا يعني أن المدير السابق غير جيد وهو رجل وطني، لكن لا بأس ان نجرب مديراً جديداً له إنجازات معروفة، وسنكون سنداً وعضداً له ضد اية سياسات خارجية، خاصة انه قد وعد بعدم تنفيذ اية أجندة خارجية). ولفت إلى أن الأجندة الخارجية تحاول خصخصة هيئة الموانئ البحرية السودانية، منبهاً إلى أن مربطي (٢٤) و (٢٥) سودانيان، ورجل الاعمال الشيخ مصطفى شأنه شأن بقية الناس، وتابع قائلاً: (لو مؤجر قطعة أرض فإن البحر ملك لنا، ونرفض رفضاً باتاً أن يكون المربط باسم شخص، لجهة ان السيادة الوطنية لا تشترى والمرابط تعتبر سيادة وطنية).
تنفيذ أجندة
وفي المقابل قطع النقابي بهيئة الموانئ البحرية سامي الصائغ بوجود جهات فاسدة تحاول بيع ميناء بورتسودان، الا ان إدارة الميناء تحاول منعهم من ذلك، وقال: (ان المسؤولين عن هذا القطاع في حكومة الخرطوم اما ان انهم لا يفهمون دور او عمل الميناء ويفترض ألا يتولوا هذه المناصب، او انهم فاسدون يريدون تمرير اجندات معينة لمصالحهم الخاصة، لجهة انه لا يوجد شخص واعٍ يحاول التصرف في مرفق استراتيجي مثل ميناء بورتسودان)، ولفت إلى وجود جهات منذ عهد الانقاذ تحاول السيطرة على الميناء، وبعد الثورة ظهرت جهات دولية تحاول استغلال فاسدين بغرض السيطرة على الميناء مع وجود جهات تحاول استغلال الفاسدين بغرض الدخول وتحقيق مصالحهم الخاصة، واكد على رفض عمال الموانئ القاطع تنفيذ تلك الاجندات، مشيراً إلى أن موقع ميناء أبو عمامة ليس موقعاً استراتيجياً تنشأ عليه ميناء، مؤكداً على عدم الحاجة له، خاصة في ظل اتساع الميناء القديم التي انشئت بمساحة خمسة ملايين فدان قبل تطويرها، وجميع المشروعات السودانية تصدر وتورد عن طريقها، والآن تمت توسعتها، ويمكن ان تتسع كما اتسعت في السابق عشرات المرات، وقال: (عندما وقفت إدارة الميناء بكل الجهد ضد هذا الفساد اصبحت تلك الجهات تخلق وتثير الفتن القبلية) وأضاف قائلاً: (وزير النقل الحالي ووزير المالية يجب أن يحاكما بالخيانة العظمى، لجهة انهما يحاولان تمرير أجندة، وكلما اقترب الانفراج السياسي سارعا بالفساد، لجهة انهما على يقين انهما حال غادرا منصبيهما لن يستطيعا تنفيذ مصالحهما الشخصية، بمعنى من كان يريد أن يخصص الميناء بهدوء أصبح يحاول خصخصتها بشراسة، أي إن الفساد أصبح على عينك يا تاجر)، وقال: (إن الأمين مصطفى الأمين كان يمتلك قطعة أرض حكر بالقرب من شواطئ الميناء الأخضر، لكن لا توجد حدود بينه وبين الشاطئ، الا ان فترة الحكر قد انتهت، وبحسب القانون الدولي الذي وقع عليه السودان يفترض عدم الموافقة على اي نشاط صناعي او تجاري الا بموافقة الموانئ التي تلتزم بالقوانين البحرية، الا انه قام بتجديد الحكر دون الرجوع إلى إدارة هيئة الموانئ، وتم التجديد فقط عن طريق حكومة ولاية البحر الأحمر التي أخطأت خطأً كبيراً في هذا الجانب)، وتساءل قائلاً: (هل المسؤولون عن توزيع الاراضي بولاية البحر الأحمر مدركون للقوانين ومدركون لدورهم بألا يتم التلاعب في الاراضي الاستراتيجية؟، وبالرغم من ان الخطوة التي اتخذها الأمين غير قانونية الا اننا تفاجأنا بأنه يطلب إنشاء منطقة حرة بموافقة وزير المالية السابقة هبة محمد علي التي أصدرت قراراً تحت المادة (٤٥) بالتصديق بمنطقة حرة، ولكنه كتب حسب الخريطة التي تسمى (الكروكي) التي تحدد مقاس قطعة الأرض على ارض الواقع، ولا ندري أين موقعها بالتحديد، وهذا الأمر خلق نزاعاً بين إدارة الميناء ورجل الاعمال الأمين مصطفى، وفي عهد رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك اصدر قرار رقم (٤٤١) بالموافقة على عمل خمس مناطق حرة من ضمنها قطعة الشيخ مصطفى الأمين، وبعد ذلك قام بتكوين لجنة مع وزارة المالية والنقل دون إدخال هيئة الموانئ البحرية، وعندما احتاجوا قاموا بإدخال احد المسؤولين بهيئة الموانئ، الا انهم رفضوا الحقائق التي كان يقدمها المسؤول، وتم تحويل الاجتماعات إلى الخرطوم باستبعاد حضور المسؤول بالهيئة في تلك الاجتماعات)، وأشار إلى أنه حال تم تحقيق الانفراج السياسي تحتاج الميناء الخضراء إلى توسعة، لجهة ان عدد السفن سيزداد، خاصة ان الميناء الخضراء تسمى ميناء الصب الجاف، وأضاف قائلاً: (الآن توجد ارصفة تكفى للعمل نتيجة الأزمة الاقتصادية وقلة العمل، وطالب وزير المالية المسؤول ــ اي مدير الميناء الخضراء ــ بالتوقيع على عدم الحاجة لتوسعة الميناء، لكنه رفض لجهة انه في المستقبل ستحتاج الميناء الخضراء إلى توسعة، إلا أن وزير المالية أصر على ان المدير يقوم بعملية التوقيع بالضغط، واكد سامي على أن المدير أخطر الوزير بأنهم تصرفوا هذا التصرف لعدم إدخالهم في هذا الاتفاق، واقترح عليه تقديم لجنة من الموانئ وتمت الموافقة. ووجدنا أن الأمين مصطفى قام بردم البحر بحوالى (٣٠٠) متر للداخل بغرض عمل رصيف دون اخذ الموافقة بذلك بطريقة غير سليمة، الا ان الإدارة أبدت رفضها لهذا التصرف لجهة ان الردم تم بمواد غير سليمة، بجانب ان القبضة الأمنية لعمل الرصيف ستحل لجهة انه سيكون في يد شخص وليس الدولة، وهذا يفقد الدولة عملاً كبيراً، إلى جانب أن امتداد الميناء الخضراء لن تكون لها مساحة، ورفضت الإدارة هذا الأمر، إلا أن وزير النقل اجبر مدير الموانئ على الامضاء، وعند الرفض أعطاه عرضاً قانونياً مالياً بغرض دراسته بمعنى وضعه في الأمر الواقع، إلا أن اللجنة اجتمعت وقامت بمراجعة الخطابات)، وتابع قائلاً: (للأسف مناديب وزارة المالية بدلاً من أن يدافعوا عن رأى إدارة الميناء التي تجلب العملات الصعبة الا انهم دافعوا عن رأي الأمين مصطفى وكأنهم مستشارون له)، وأضاف قائلاً: (عندما تأكدنا من اصرارهم على تنفيذ الخطأ بهذا الشكل، قمنا بإخراج قوانين المناطق الحرة ووجدنا أن هناك سبعة اسباب قانونية ودولية لها علاقة بالعمل الامني والاستراتيجي والقومي والسلامة الدولية وجميعها مخالفة، لذلك رفضنا استمرار عملهم).
بيع المربطين
إلى ذلك قال مخلص جمركي بالميناء ــ طلب حجب اسمه ــ لـ (الخرطوم24): (إن وزير النقل ووزير المالية حضرا إلى الميناء على اساس بيع المربطين (٢٤) و (٢٥) بالتعاقد مع جهة معينة، الا ان عمال الموانئ رفضوا هذا المبدأ رفضاً باتاً، وقام مدير الموانئ بتقديم استقالته، وتم تعيين مدير موانئ آخر على اساس ان يقوم بعملية التوقيع على بيع المربطين، وقاموا بسجن موظفين من الموانئ لاعتراضهم على التوقيع)، مشيراً إلى أن عمل الميناء الآن مستمر بصورة عادية ولم يتأثر بهذه الظروف.
الخصخصة اتجاه عالمي
وفي ذات الاثناء ابان رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد الفاتح عثمان، أن الموانئ السودانية تعاني من ضعف الفاعلية وسوء الاداء والترهل في عدد العاملين، ومن تخلف كبير في اجهزة المناولة ومن سوء اداري كبير، اضافة لتوترات قبلية تجعل من المستحيل وضع جدول زمني موثوق به لتفريغ وشحن السفن.
واكد في حديثه لـ (الخرطوم24) أن التوجه نحو خصخصة الموانئ او على الاقل خدمات التفريغ والشحن يعتبر اتجاهاً عالمياً. ومن هذا الباب يعتبر نظرياً اتجاه الحكومة لتخصيص بعض المرابط للقطاع الخاص او تخصيص ادارة الميناء بكاملها لشركات اجنبية او وطنية توجهاً سليماً في الظروف الطبيعية. وأضاف قائلاً: (لكن ظروف السودان الحالية ربما لا تسمح بهذا التصرف، لجهة ان شرق السودان يعاني بشدة من البطالة والفقر المدقع والتوتر السياسي والقبلي، بينما السودان كله يعاني من الاختلافات السياسية والتخوين والشائعات، وبالتالي الجو غير مهيأ لمثل هذا النوع من الخصخصة، بغض النظر عن كون الجهة التي يراد تخصيص المربط لها تمتلك الأهلية المطلوبة ام لا، ولهذا على الحكومة التراجع عن هذا التصرف على الاقل في الوقت الحالي).