بانوراما الاقتصاد السوداني.. النفق المظلم

بانوراما الاقتصاد السوداني.. النفق المظلم


الخرطوم: هنادي النور

مازالت الطبقة السياسية تتلاعب بمصير الشعب والبلاد، وهي غير مستعدة لتقديم أية تنازلات لكي تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي أصبح ضاغطاً على كل المواطن مما يهدد بانفجار شامل. والسبب الرئيس للأزمة الحالية عدم وجود سياسة متكاملة لمواجهة الأزمة الاقتصادية إلى جانب غياب الإرادة السياسية الحقيقية للحل والمواجهة، وبالتالي نجد ان تأثير الاصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة الانتقالية اثرت سلبا في القطاعات المختلفة من الصناعة والتجارة.
مخاوف
وتسود المخاوف من تزايد الوضع الاقتصادي المتردي من معاناة المواطنين، ونهاية عام ٢٠٢٢ مرت بتحديات عديدة، وتنبأ عدد من المهتمين بالشأن الاقتصادي بأن تكون بداية عام ٢٠٢٣م اكثر خطورة، حيث تواجه البلاد خطراً متزايداً من الركود الحالي، مما ينذر بالخطر على اثر تراجع اداء قطاعات الاعمال وانخفاض القوة الشرائية للأسر في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي الحقيقي.
ثبات سعر الصرف
استقرت اسعار العملات الاجنبية مقابل الجنيه السوداني لفترة طويلة من العام، وهناك انخفاض ملحوظ في نسب التضخم رغم تراجعها شهرياً ولكن دون ادنى تأثير على مستوى المعيشية او على مستوى الاسعار.
القمة الصينية
حضور السودان القمة العربية الصينية التي عقدت أخيراً في الرياض بالمملكة العربية السعودية كان حدثاً مهماً، لجهة ان دولة الصين من أكبر الدول الاقتصادية على مستوى العالم، والسودان له تجارب عديدة معها خاصة في عمليات استكشاف البترول.
ميناء أبو عمامة
وقعت الحكومة السودانية ممثلة في وزارة المالية والاقتصاد على عقد اتفاق مع موانئ ابو ظبي لإنشاء ميناء على ساحل البحر الأحمر(ميناء ابو عمامة).
الوحدة الاقتصادية
انعقد أخيراً بالعاصمة الخرطوم مجلس الوحدة الاقتصادية باعتباره تظاهرة اقتصادية مهمة.
اجتماع واشنطون
شارك وزير المالية في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بالولايات المتحدة الأمريكية، وطلب السودان العودة للمؤسسات المالية لتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي.
الدولار الجمركي
أثار قرار زيادة الدولار الجمركي جدلاً واسعاً وسط المستوردين باتحاد الغرف التجارية، حيث تم تعديله من سعره ٤٤٥ الي ٥٦٤ جنيهاً، الامر الذي وجد استنكاراً وسط الموردين، مؤكدين أنه سينعكس سلباً على المواطن بزيادة أسعار السلع التي قفزت الى مستويات قياسية.
إضراب المؤسسات
وسرعان ما تحولت حالة الشد والجذب بين قطاعات الإنتاج لتشهد وزارة المالية اضرابات كثيرة، حيث اعلنت مؤسسات بالدولة اضرابها عن العمل بسبب ضعف الرواتب وغلاء المعيشية، أبرزها اضراب عمال الكهرباء ووزارة التجارة وشركات السكر، واخيراً وزارة الصناعة.
زيادة الضرائب
وفي غضون ذلك تخوف عدد كبير من خبراء الاقتصاد من تفاقم غلاء المعيشة، حيث برزت ازمة كبرى وسط القطاع التجاري بسبب انحسار حركة السوق وضعف القوة الشرائية رغم امتلاء المخازن، الأمر الذى أدى لنشاط تجارة البيع بالكسر، وكل تلك التأثيرات والأنشطة المرتبطة بالتجارة تسبب في فقدان الحكومة كثيراً من الرسوم الحكومية، مما دعا لاتخاذ قرارات صادمة على التجار والاعلان عن زيادة الضرائب بنسبة ١٠٠٠%، مما ادى الى اغلاق العديد من الاسواق والمحلات التجارية بالعاصمة والولايات احتجاجاً على الزيادة.
تهريب الذهب لروسيا
ودار جدل كثيف حول قضية تهريب الذهب الذي اثارته قناة CNN، وبدورها اوصدت وزارة المعادن الباب امام تلك التصريحات وجددت التزامها بأداء المهام الملقاة على عاتقها من خلال أذرعها المتمثلة في (شركة أرياب، شركة سودامين، الشركة السودانية للموارد المعدنية والهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية)، وردت على الإدعاءات التي أوردتها قناة CNN (عبر مصدر مجهول) بأن الذهب المهرب من السودان إلى روسيا يبلغ (223 طناً) سنوياً، وجزمت الوزارة بأن هذه المعلومات مجافية للحقيقة، وقالت ان إنتاج السودان من الذهب خلال الفترة من 2019م حتى يونيو 2022م (ثلاثة أعوام ونصف العام) لم يتجاوز (156 طناً) من الذهب الخام بما فيه إنتاج التعدين التقليدي، وفق إحصائياتها الرسمية، حيث بلغ إنتاج التعدين المنظَّم في قطاع الشركات (58.49 طناً) من الذهب الخام.
قطارات السكة حديد
بتكلفة ٥٠ مليون يورو استقبل السودان ٢١ وابوراً لتأهيل السكك الحديدية، حيث رست السفينة (تتراكي) التي تحمل على متنها 21 وابوراً لسكك حديد كدفعة أولى من جملة 34 وابوراً تم توريدها من الصين بتكلفة ٥٠ مليون يورو عبر شركة (زيانغ) الصينية.
حادثة غرق الباخرة
شددت وزارة الثروة الحيوانية على ضرورة تحمل المسؤولية من خلال معرفة المهام المتعلقة بكل الجهات المختصة، للتحقيق حول حادثة غرق الباخرة بدر ونفوق حوالى ١٦ الف رأس من الضأن في ساحل البحر الأحمر بمدينة بورتسودان.
أزمات متلاحقة
يعاني السودان من أزمات متلاحقة بسبب التدهور المستمر, فرغم انه يمتلك مقومات زراعية تؤهله لتحقيق الامن الغذائي الا ان خطر المجاعة يهدد حوالى مليون شحض، بحسب ما اعلنت وكالة الامم المتحدة وتبرعها بتقديم الدعم.
احتجاجات مستمرة
وتشهد البلاد احتجاجات مستمرة  رافضة لقرارات ٢٥ اكتوبر، وافزت هذه الاحتجاجات تأثيرات دولية أدت بموجبها لتعليق واشنطون مساعدات مالية بقيمة ٧٠٠ مليون دولار، بجانب تعليق البنك الدولي برنامج دعم الأسر (ثمرات)، مؤكدين أن الانقلاب قطع المسار الديمقراطي وأعاد البلاد الى حالة عزلة وكان له تأثير في اداء المؤسسات الاقتصادية والاسواق المحلية.
نفس المسار
ولعل حديث الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي لم يكن متفائلاً وابدى رأيه قائلاً: (الاقتصاد السوداني يعاني من ازمة مركبة يمكن اختزالها في عنوانين رئيسين، الأول نمو اقتصادي متباطئ مصحوب بارتفاع في معدلات التضخم، والثاني عجز موازنة متفاقم كان له العديد من التداعيات السلبية على الاقتصاد المحلي، لا سيما عجز الميزان التجاري وتراجع احتياطيات السودان من العملة الاجنبية.
 وسرد هيثم خلال حديثه لـ (الخرطوم24) امس جازماً بأن تستمر موجة الإضرابات والتدهور الاقتصادي المستمر الذي تعيشه البلاد منذ بداية العام الحالي، بالاضافة للارتفاع الكبير في معدلات التضخم التي فاقت 400 في المئة على أساس سنوي الا ان بدأ في النزول قبل اشهر.
 وتآكل القدرة الشرائية للمستهلك في ظل تدني الدخول وتراجع قيمة الجنيه بنسب وصلت إلى أكثر من 700٪، وزيادة الضرائب والرسوم بمعدلات تراوحت بين 500 وألف في المئة منذ بداية عام 2022م، وارتفاع  معدلات الفقر إلى أكثر من 60%.
 وأوقفت الدول والمؤسسات المالية العالمية مساعدات للبلاد مما أعاق ذلك أيضاً أهلية السودان للحصول على إعفاء من الديون بقيمة 50 مليار دولار بموجب مبادرة صندوق النقد الدولي المعزز للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون(هيبك)
 وبعد إجراءات قائد الجيش في اكتوبر 2021م ظل الاقتصاد في نفس المسار الذي وضعته فيه السياسات التي تبنتها الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك، وهي مازالت مستمرة ومطبقة وجنى ثمارها الآن وستستمر حتى في 2023م. وستظهر في زيادات كبيرة تطول أسعار الخبز والدواء والكهرباء والعديد من السلع الأساسية الأخرى.
 وموازنة 2023م سيتم تطبيقها في إطار سياسي مختلف ومعقد، لذلك يصعب التنبؤ بمسارها وتداعياتها بسبب ضبابية المشهد السياسي والامني في السودان.
الوضع الراهن ومآلات المستقبل
وفي ذات السياق قطع الخبير المصرفي بجامعة الخرطوم بروفيسور ابراهيم اونور بأن الاقتصاد السودانى خلال العام المقبل 2023م سيواجه تحديات خطيرة قد تؤدي إلى انهيار سياسى وامنى فى السودان ما لم تتم معالجة هذه التحديات منذ الآن. وبدأت بذرة هذه المشكلات نتيجة للصراع السياسى الذي اصاب الحاضنة السياسية للحكومة المدنية فى الفترة الماضية، الأمر الذي تسبب فى وضع سياسى غير مستقر ألقى بظلال سالبة على كل مناحى الحياة فى الدولة. ولتوضيح الفكرة بصورة مبسطة فقد انتقد انور اعداد الموازنة قائلاً: (شق الايرادات وشق المصروفات وزيادة المصروفات على الايرادات خلقت عجزاً فى الموازنة، مما يستدعى طباعة نقود جديدة لتغطية العجز، وكلما زادت تغطية العجز بطباعة عملة ورقية جديدة زاد معدل التضخم فى فترة لا تتجاوز  45 يوماً من ادخال العملة الجديدة حيز التداول. ومفترض ان تكون هناك أدوات نقدية يصدرها البنك المركزى لتحييد العملة الإضافية للحيلولة دون تأثيرها بزيادة التضخم).
وحذر اونور خلال حديثه لـ (الخرطوم24) من أربعة مهددات ستواجه الاقتصاد السودانى فى  العام المقبل تؤدى إلى تازيم الوضع الاقتصادى من خلال زيادة المصروفات وتقليص الايرادات فى موازنة الدولة، الأمر الذي سيوسع حجم عجز الموازنة وبالتالى قد يؤدى ذلك إلى انفلات وتسارع فى وتيرة التضخم وانخفاض سعر الصرف. وجزم قائلاً: (ستواجه الحكومة الحالية فى ادارة الاقتصاد خلال العام الجديد المقبل المهدد الأول الذي يتمثل فى استحقاقات اتفاق جوبا الذي سيصبح عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة المنهكة اصلاً فى حال محاولة الحكومة الاستيفاء بمطلوباته او جزء منها وفقاً لموارد الدولة المتاحة. اما المهدد الثانى فيتمثل فى زيادة الجبايات الحكومية من ضرائب مباشرة وغير مباشرة تؤدي الى انكماش الإنتاج الكلي، الأمر الذي سيضيق الوعاء الضريبي وبالتالي سيوسع عجز الموازنة نتيجة لتراجع الإيرادات الضريبية، بجانب عدم استقرار الوضع السياسى فى الداخل في حال استمرار الوضع الراهن الذي تترتب عليه مواكب أسبوعية تستدعي رفع الصرف على الأمن الداخلى، وهذا بجانب المطالبات الفئوية لرفع الأجور فى العام المقبل وزيادة الصرف نتيجة لتكوين المجلس التشريعى، واستكمال بقية هياكل السلطة فى الفترة القادمة في حال تكوين حكومة مدنية جديدة.
والمهدد الرابع هو تعثر كثير من البنوك التجارية نتيجة لضيق فرص الاستثمار في الداخل وتراجع الإنتاج وارتفاع التضخم الذي سيزيد تعثر سداد التمويل للبنوك الذي سيكون بداية الانهيار الاقتصادي). 
مطلوبات
وحدد اونور مطلوبات لمواجهة التحديات الاقتصادية الماثلة فى العام القادم، بضرورة تأمين الدعم الخارجى لموازنة الدولة لانه جزء معتبر من موارد الميزانية، ويعتمد على الدعم الخارجى فى شكل هبات ومساعدات خارجية، وهذا لن يتحقق الا بعد تكوين حكومة مدنية انتقالية ولو بشراكة مع العسكر، وشدد على وزارة المالية باهمية وضع يدها على موارد الدولة خاصة الشركات الرمادية وتحصيل ايرادات ضريبية على نطاق اوسع، ومطلوب ايضاً الاستفادة من ايرادات الذهب لدعم تثبيت سعر الصرف، ومطلوب دعم الدول العربية والدول الغربية الصديقة لدعم استحقاقات سلام جوبا خاصة اتفاقيتى دارفور والمنطقتين والغاء بقية مسارات اتفاق جوبا، واضاف قائلاً: (يجب بذل الجهد الممكن لاستقرار الوضع السياسى الداخلى وتوحيد الصف الوطنى فى الداخل).
من المحرر:
طال أمد الصراع السياسي والتشاكس بين القوى السياسية، مما فاقم المشكلات الاقتصادية والمعيشية لغالبية السكان، خاصة مع فقدان نسبة كبيرة منهم مصادر الدخل وسبل العيش وانهيار الأمن الغذائي وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل مضاعف، وتآكلت احتياطيات النقد الأجنبي للدولة تدريجياً، وتخلت الحكومة الانتقالية عن دعم او تمويل استيراد كثير من السلع الأساسية، خاصة مع انحسار الدعم الخارجي للبلاد.
ووصلت نسبة الفقر في السودان إلى نحو 80% من السكان مقارنة بنحو 49% قبل ابريل 2019م، فيما يعاني أكثر من 15 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
وتمثل العمالة غير المنتظمة في السودان أكثر من 40% من العاملين في البلاد، ويعمل عامل اليومية منذ الصباح الباكر حتى بداية الليل، ويحصل على مبلغ زهيد لا يكفي حتى لشراء أسطوانة غاز. والمبلغ الذي يحصل عليه العامل لا يستطيع عبره توفير متطلبات الحياة الكبيرة، فمع ارتفاع الأسعار الناجم عن تدهور العملة بشكل غير مسبوق سيستمر عامل اليومية في النضال اليومي، لتوفير لقمة العيش التي باتت بعيدة عن متناول الكثيرين، وعلى الدولة الاهتمام بهذه الشريحة المهمة، فهؤلاء العمال يستحقون الوفاء، فهم جوعى وسط واقع كله غلاء.

اضغط هنا للانضمام لمجموعات الخرطوم24 على تطبيق واتساب



شارك هذه المقالة