الخرطوم : هالة حافظ
يعاني السودان من معدلات تضخم تصل إلى مستويات قياسية وسط تراجع القدرة الشرائية للعملة المحلية الجنيه السوداني وصعود الدولار ، بالرغم من البيانات التي يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء بأن معدلات التضخم في حالة انخفاض مستمر الا ان بعض الخبراء الاقتصاديين انتقدوا البيانات الرسمية التي يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء حول تراجع التضخم ، مؤكدين عدم واقعيته في ظل المعاناة المستمرة للمواطنين وارتفاع الأسعار إذ أن غلاء المعيشة له نتائج ظاهرة من خلال عجز المواطنين عن توفير حاجاتهم الأساسية، وأخرى غير مباشرة بتراجع نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة وانتشار ظواهر السرقة والرشوة وغيرها.
مشيرين الى أن التضخم يحتاج لتدخل حكومي عبر دعم الغذاء وإعادة النظر في الفواتير التي يدفعها المواطنون، الذين لجأ الكثير منهم للاستدانة لمواجهة غلاء أساسيات المعيشة ، ونجد ان الاقتصاد قد تدهور اكثر في أعقاب إجراءات ٢٥ من أكتوبر من العام ٢٠٢١ م والتي تسببت في تعليق التمويل الدولي، كما انخفضت قيمة العملة إلى أكثر من الربع، وتعاني البلاد أيضاً من شح حاد في العملة الصعبة، وقد واصل معدل التضخم السنوي تراجعه خلال نوفمبر الماضي ، للشهر الثامن على التوالي، مسجلاً أدنى مستوياته في أكثر من عامين.
وقد أفادت مذكرة أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء امس الأول ، بأن معدل التضخم السنوي في البلاد سجل انخفاضاً في شهر نوفمبر الماضي بلغ 88.83% ، مقابل 102.6% لشهر أكتوبر.
و شهدت البلاد زيادات متتالية في أسعار الوقود العام الماضي بموجب عملية إلغاء تدريجي لدعم الوقود والتي تهدف إلى اتباع الأسعار العالمية، وقررت وزارة الطاقة، خفض أسعار الجازولين “الديزل” لشهر ديسمبر الحالي لتصل إلى 600 جنيه سوداني للتر من 720 جنيهاً الشهر الماضي.
بيد انها أنها قررت الإبقاء على أسعار البنزين دون تغيير عند سعر 620 جنيهاً للتر.
شفافية ووضوح
ويرى الخبير الاقتصادي محمد شيخون أن قياس انخفاض او ارتفاع معدل التضخم يحتاج إلى معرفة نوع السلع التي يقيس عليها الجهاز المركزي للإحصاء بغرض قياس التغير في مستوى أسعارها ، وقال في حديثه لـ(الخرطوم24) يمكن أن يتم اختيار سلع معينة يجعل معدل التضخم ينخفض والعكس، وشدد على ضرورة أن تكون هناك أمانة في اختيار السلع الضرورية لقياس مستوى التضخم ، وأضاف قائلاً المهم ليس حديث الغرف المغلقة والإحصاء والأرقام وإنما المهم هو المواطن هل يشعر بالفعل بانخفاض بالمعدل العام للاسعار أم لا ، وتساءل مستنكرا : كيف يكون معدل الأسعار منخفضا هذا مستحيل، وطالب شيخون بضرورة أن تكون هناك شفافية ووضوح في الأسعار التي يتم انتقاؤها.
ركود تضخمي
وفي المقابل يقول الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أن انخفاض معدل التضخم لايعني انخفاض الاسعار ولكن انخفاض في وتيرة الأسعار التي كانت في السابق ومعلوم أن الاقتصاد يشهد حالة من الركود لكن هو ركود تضخمي اي ان النشاط الاقتصادي شبه متوقف تماما وكذلك النشاط الإنتاج بجانب ضعف القوة الشرائية ، واشار في حديثه لـ (الخرطوم24) الى أن الجهاز المركزي للإحصاء يبني حساباته بمعدلات التضخم الشهرية على آخر مسح لميزانية الأسرة لتحديد أو زيادة الاستهلاك للسلع والخدمات وآخر مسح لميزانية الأسرة تم قبل ١٥ عاما وبالتالي المعلومات تظل قديمة نسبياً في حين أن المسح لميزانية الأسرة حسب المؤشر العالمي يفترض أن يحدث كل خمس سنوات لأي دولة وهذا يجعل تقارير الجهاز المركزي للإحصاء تعتمد على ميزانية قديمة، وطالب الناير الجهاز المركزي أن يعمل على ايجاد التمويل اللازم بالتنسيق مع وزارة المالية بمسح ميزانية الأسرة والالتزام بتحديثها كل خمسة أعوام، وأن يتم المسح شهريا لأسعار السلع لحوالي ٦٠٠ إلى ٧٠٠ سلعة وخدمة ويتم عمل جولات ميدانية شهرية لأسواق السلع والخدمات في ١٨ ولاية لتغطية الأسواق في جميع بقاع السودان حتى تكون هذه النتائج صحيحة ، وتابع : في العموم هناك استقرار إلى حد ما في سعر الصرف وهذا ينعكس ايجاباً على معظم أسعار السلع والخدمات بجانب انخفاض في أسعار الوقود وقد عاود الارتفاع مرة أخرى لكن معدل الانخفاض كان كبيرا ثم ارتفع قليلا مرة أخرى ، بجانب انخفاض القوة الشرائية وقلة السيولة لجهة ان الدولة تنظر لمعدلات التضخم ولا تنظر لمعدلات النمو او الكساد الذي يصيب النشاط الاقتصادي وهذا له تداعيات سالبة وانخفاض معدلات التضخم لايعتبر ظاهرة صحية طالما أن المقابل انخفاض معدل النمو وضعف القوة الشرائية وحالة الركود الكبيرة التي تصيب الاقتصاد السوداني وبالتالي لانستطيع أن نقول هذه الظاهرة ايجابية لكن لها تبعات أخرى لجهة انها تمت بسياسات لم تكن في مصلحة الاقتصاد الكلي.
موجة تضخمية :
وفي ذات السياق يوضح الخبير الاقتصادي هيثم فتحي إلى أن التراجع فى معدل التضخم، يعني انخفاضا في أسعار السلع الاستهلاكية، وعند القول بأن التضخم السنوي انخفض، فهذا يعني أن أسعار السلع انخفضت خلال شهر ما في العام الحالي مقارنة بمثيله من العام الماضي، أما في حالة القول بأن معدل التضخم الشهري انخفض، فهذا يعني انخفاض أسعار السلع في شهر ما في العام الحالي مقارنة بالشهر السابق له من ذات العام.
وأبان في حديثه لـ(الخرطوم24) أن معدلات التضخم المستهدفة تحددها كل دولة وفقاً لأهداف السياسة النقدية بها،فيظل تراجع معدلات التضخم أمرا مقبولاً، طالما لم يتجاوز النسبة التي تستهدفها الدولة، وفي حالة الابتعاد عن المستهدف فهذا أمر سلبي ومؤشر للركود، وأوضح أن كلمة التضخم في الأساس تشير إلى كم التغير الذي يحدث في أسعار السلع الاستهلاكية سواء بالزيادة أو التراجع، وتابع :يظل تراجع الأسعار والذي ينتج عنه انخفاض في معدلات التضخم أمراً مقبولاً حتى إذا وصلت هذه المعدلات الى معدلات سالبة، بما انها في إطار النِسب التي تستهدفها الدولة، وأشار فتحي إلى ان التضخم في العموم لا يعتبر مؤشراً سيئاً، بمعنى أنه إذا كانت معدلاته تعكس أسعار مستقرة ومناسبة لحركة الإنتاج والنمو والمنظومة الاقتصادية بالدولة، فيكون مؤشرا جيدا، وإنما إذا ابتعدت معدلاته عن المستهدف من قبل دولة ما وبدأت تتحول للنسب السالبة، فهنا يدق جرس الإنذار لخطورة الوضع الاقتصادي بتلك الدولة، ولفت إلى أن التراجع في معدلات التضخم حتى إذا وصلت لمعدلات سالبة يختلف أيضاً عن ما يسمى بـ”التضخم السلبي”، لأن التضخم السلبي هو تضخم بالسالب يحدث بشكل سنوي على مدار أعوام متتالية، حيث يشير هذا الأمر وقتها لوجود ركود وكساد باقتصاد الدولة وهو أمر غير جيد.
واشار الى ان الأهم أن يشعرالمواطنون بالاتجاه النزولي او المنخفض للتضخم بشكل كبير و حماية القوة الشرائية للمواطن ، ومكافحة التضخم بالسياسات في إطار اقتصادي مع قدرة الحكومة على توفير السلع والاعتماد على المخزون الاستراتيجي، واستقرار أسعار السلع، بوجود مخزون حتى لا يؤدي لزيادة سعرية كبيرة خلال الفترة المقبلة، نتيجة الموجة التضخمية العالمية ومشاكل سلاسل الإمداد والمواد الصناعية.
وتابع ما زالت تأثيرات موجة التضخم العالمية على معدل التضخم في السودان، حيث مازالت أسعار البترول والغاز والسلع الزراعية في العالم في زيادة، والحل هو زيادة المعروض المحلي من السلع، خاصة وأنه من غير الواضح متى ستنتهي موجة التضخم العالمية.
سياسة نقدية :
انخفض التضخم في شهر نوفمبر الى 88.8٪ هبوطا من 106٪ وهو انجاز كبير جدا لوزارة المالية وبنك السودان اللذان تبنيا سياسات نقدية انكماشية لخفض التضخم كانت في غاية الصعوبة للمواطنين السودانيين لانها تسببت في انكماش الاقتصاد السوداني وأدخلت الاقتصاد السوداني في حالة ركود اقتصادي كبير نتجت عنه حالات افلاس كثيرة عمت مختلف قطاعات الاقتصاد.
هبوط معدل التضخم لا يعني توقف زيادة أسعار السلع بل انخفاض الوتيرة التي تزيد بها السلع وهو ما حدث بالفعل في الاقتصاد السوداني اذ تواصلت الزيادة في أسعار السلع لكن بمعدل اقل بكثير مما كان سائدا في العام الماضي.
زيادة يومية :
وفي ذات الاتجاه قال الخبير الاقتصادي لؤي عبدالمنعم ان الاسعار تشهد حالة زائدة يومية و سبق ان وضحت ان مؤشر قياس التضخم بطريقة CPI السريعة التي تقوم على سلة من السلع يقاس عليها اسعار المستهلك و المعتمدة من الجهاز المركزي للاحصاء غير دقيقة لانها تعتمد عينة محدودة افقيا و كميا و لا تشمل الخدمات و لا التغير في عادات المستهلك خلاف معيار GDP Deflator انكماش الناتج المحلي الاجمالي الأكثر دقة و غير المستخدم في السودان لانه يستغرق وقتا أطول في حسابه.
وأوضح في حديثه لـ(الخرطوم24) ان الصفوف التي اختفت كانت ازمة مفتعلة اما مؤشرات قياس التضخم غير دقيقة في السودان يعتمدون سلة من السلع مأخوذة من 20 وحدة بيع جميعها سلع و ليس بينها خدمات في مؤشر CPI بينما في مصر يعتمدون 1000 سلعة و خدمة من 10058 وحدة بيع في الحضر و 4337 وحدة بيع في الريف.
وأضاف؛ بعد ان تم تخفيض الاستيراد بسبب زيادة الجمارك و الغاء الدولار الجمركي و زيادة الضرائب حصلت هجرة لرؤوس الاموال اعترف بها المسؤولين و اقتصادنا اصبح يعاني انكماش و ركود بيد ان الكساد أثر في كمية المعروض لكنه لم يخفض الاسعار بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج الاسعار كل يوم في زيادة و البعض يريد ان يمدح بما لم يفعل.