الخرطوم 24 –
في حربٍ تجاوزت كل الخطوط الحمراء، لم يعد السلاح الكيماوي وحده وسيلة إبادة في السودان، بل تحوّلت الكوليرا ذاتها إلى غطاء لسلاح خفي أكثر فتكًا. فالتشابه بين أعراض التسمم بالغازات السامة وأعراض مرض الكوليرا صار مريبًا: قيء حاد، إسهال شديد، جفاف قاتل، وانهيار سريع للجهازين الهضمي والتنفسي، ينتهي بالموت في غضون ساعات إن لم يتوفر تدخل عاجل.
الكوليرا كغطاء للكيماوي
في بلد اعتاد الأوبئة والفيضانات والكوارث، جاءت الكوليرا هذه المرة ليس كمرض عابر، بل كـ سلاح حرب إضافي. فبحسب الشهادات الميدانية، استخدم الجيش السوداني الكيماوي ضد المدنيين العزّل منذ بداية الحرب في أبريل 2023، ليضيف إلى القصف والتدمير وسيلة أكثر وحشية: سلاح يشبه الكوليرا أو يتخفى خلفها.
والأخطر أن ما يجري في الخرطوم وأم درمان والجزيرة لا يبدو تفشيًا طبيعيًا للمرض، بل إجرام متعدد الأوجه: إهمال صحي متعمد، تواطؤ رسمي، وتسميم غير مباشر جعل من الكوليرا أداة قتل بطيئة، تُستعمل كما تُستعمل الطائرات المسيّرة والذخائر الحارقة.
أرقام صادمة وقرارات مثيرة للجدل
وزارة الصحة السودانية أقرت بتسجيل أكثر من 2700 إصابة و172 وفاة في أسبوع واحد فقط. ومع ذلك، أعلن وزير الصحة نفسه انهيار الخدمات، وأصدر قرارًا مثيرًا للجدل بسحب منظمة “أطباء بلا حدود” من مراكز العزل في ذروة الأزمة.
تسريبات من مستشفى النو وأم درمان التعليمي كشفت انهيارًا تامًا في الاستجابة الطبية وارتفاعًا غير مسبوق في الوفيات. وبينما كانت الجثث تُرى في الشوارع وتحت الأشجار، خرج الوزير ليؤكد أن “الوضع تحت السيطرة”، وهو ما أثار صرخات الأهالي: “هذه ليست كوليرا عادية، هذه سموم كيماوية تفتك بنا.”
وباء متعمد أم إبادة جماعية؟
ما حدث جعل الجميع يدرك أن الكوليرا أصبحت غطاءً للكيماوي. نعم، الوباء موجود، لكن استعمال الغازات السامة ضاعف المأساة وحوّلها إلى كارثة ممنهجة. الجيش السوداني، كما تؤكد شهادات النازحين والتقارير الطبية، لم يكتفِ بالرصاص والقصف، بل استخدم الماء الملوث والهواء المسموم كوسائل خفية للإبادة الجماعية.
سلاح محرم بأيدي سلطة منبوذة
ما يمارسه الجيش اليوم، بمساندة تنظيم الإخوان المسلمين، يدخل في خانة جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم. استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، إلى جانب تحويل الأوبئة إلى أدوات حرب، يضع السودان في خانة الدول المنبوذة دوليًا، ويُعمّق مأساة الشعب الذي يُقتل على جبهات متعددة: بالسلاح التقليدي، بالكيماوي، وبالأوبئة التي تُترك لتفتك بهم بلا علاج ولا رحمة.
الخرطوم 24 تؤكد أن ما يحدث ليس وباءً طبيعيًا فحسب، بل جريمة حرب ممنهجة، عنوانها الكوليرا ووجهها الحقيقي الكيماوي، وسيدفع السودان ثمنها سياسيًا وإنسانيًا لعقود قادمة.