تحالفات الحكومة السودانية: صفقات مصالح أم بوابة لصراع إقليمي جديد؟
تشهد الساحة السودانية تصاعدًا لافتًا في وتيرة التحولات الجيوسياسية، بعدما استأنفت الحكومة السودانية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في أكتوبر 2023، وهو تطور أثار قلقًا بالغًا في الأوساط الإقليمية، خاصة في إسرائيل التي ترى في هذا التقارب تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
فبينما تعيش البلاد حربًا أهلية طاحنة تمزق أوصالها منذ أبريل 2023، اتجهت الحكومة السودانية نحو محور طهران، مبتعدةً عن مسار التطبيع مع تل أبيب، ما فتح الباب واسعًا أمام النفوذ الإيراني ليستغل حالة الانقسام والتشرذم داخل مؤسسات الحكم السودانية، حيث تتصارع الأجنحة العسكرية والإسلامية على النفوذ والمناصب وسط انهيار كامل لمؤسسات الدولة.
إسرائيل تعيد تقييم السودان كتهديد استراتيجي
وفقًا لتقارير استخباراتية، تعتبر تل أبيب التحالف السوداني الإيراني الوليد بمثابة نداء خفي للحرب ضدها، وترى أن إيران تحاول بناء موطئ قدم على شواطئ البحر الأحمر لتعويض خسارتها لأذرعها التقليدية في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق.
وتشير هذه التقارير إلى أن الجيش السوداني حصل مؤخرًا على شحنات من الطائرات المسيّرة، وصواريخ، وحتى مواد كيميائية وبيولوجية محظورة، مصدرها إيران، وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى وضع سيناريوهات لضربات استباقية قد تشمل مواقع عسكرية سودانية وقادة بارزين في الجيش السوداني.
كما تحدثت مصادر عن إنشاء إسرائيل مسارًا جويًا لطائرات F-16 فوق البحر الأحمر لمراقبة التحركات الإيرانية في المنطقة وإجهاض أي محاولات لبناء قواعد لوجستية عسكرية إيرانية في السودان.
ميناء بورتسودان في قلب المشهد
زادت المخاوف الإسرائيلية بعد رسو سفن حربية إيرانية في ميناء بورتسودان، في مؤشر واضح على بدء تعاون عسكري مباشر بين طهران والحكومة السودانية. ويأتي ذلك بعد استهداف قاعدة فلامنغو العسكرية، ما اعتبرته تل أبيب دليلًا على دخول السودان عمليًا في محور الصراع الإيراني – الإسرائيلي.
وبهذا، انتقل السودان في نظر إسرائيل من دولة تسعى للتطبيع إلى ساحة تهديد إقليمي محتمل، وممر بديل لتهريب الأسلحة الإيرانية قد يُستخدم لضرب المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر.
موقف أمريكي يزداد حدة
في المقابل، بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة تفعيل ملف السودان بقوة، سعيًا لتحقيق اختراق دبلوماسي يعوّض إخفاقاتها في ملفات أوكرانيا وغزّة.
وقد دخلت العقوبات الأمريكية حيّز التنفيذ منذ يونيو الماضي، فيما تشير تسريبات إلى أن واشنطن ستضغط بشدة على قادة الحركة الإسلامية داخل الحكومة السودانية لإنهاء الحرب وقبول تسوية سياسية شاملة، وهو ما يُنظر إليه في الخرطوم كتهديد مباشر لمصالح هذه القيادات.
السودان في مفترق طرق
وسط هذه التوترات، يبقى السؤال:
إلى أين يتجه السودان تحت قيادة عبد الفتاح البرهان؟
هل يختار التحالف مع إيران ودفع ثمن باهظ من سيادته ودماء شعبه، أم يخضع للضغوط الأمريكية ويقبل وقف الحرب بشروط صعبة؟
ومع استمرار تعثر تشكيل حكومة مدنية جديدة بقيادة كامل إدريس، الذي يُنظر إليه كواجهة مدنية لعصابة عسكرية إسلامية متنفذة، تتواصل دوامة الحرب والدمار، فيما يدفع الشعب السوداني الثمن يومًا بعد يوم من حياته ومستقبله وأمانه.
وفي ظل كل هذه التهديدات المتقاطعة، يبقى السودان محاصرًا بين مطرقة التحالفات الخارجية وسندان الانهيار الداخلي، بينما يترقب العالم تحركات تل أبيب وواشنطن في هذا الملف شديد التعقيد، وسط تساؤلات مشروعة:
هل تتحول أرض السودان إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل؟ وهل ما زال بالإمكان إنقاذ ما تبقّى من هذا الوطن الجريح؟