الخرطوم 24 –
في أعماق السودان، بعيدًا عن المدن الكبرى وعدسات الكاميرات، هناك قرى نائية تُباد بصمت. قرى سقطت من خرائط الدولة ومن ضمير العالم، لكنها اليوم أصبحت ساحات لتجارب الموت بالأسلحة الكيماوية.
في تلك القرى المنسية، لا يصل الماء النقي ولا الكهرباء ولا أبسط الخدمات، لكن الغازات السامة تصل قبل كل شيء. رائحة الكلور تملأ الأجواء. هواء يقتل الرئتين، يعمي العيون، ويترك الناجين يعانون لسنوات في عزلة تامة. لا شهود هناك، ولا تقارير طبية، ولا أصوات تصل إلى العالم. لكنّ الحقيقة لم تعد قابلة للإخفاء.
حقائق كشفتها التقارير الدولية
تقارير استخباراتية وصحف دولية مرموقة أكدت أن الجيش السوداني استخدم غازات محظورة، بينها الكلور، في هجمات موثقة مرتين على الأقل. هذه التقارير أعادت للأذهان صور الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد في سوريا، لتكشف أن جرائم الحرب في السودان ليست أقل بشاعة.
السؤال الذي يتردد الآن بين المراقبين: لماذا هذا التصعيد؟ ولماذا جاء التحرك الأمريكي في هذا التوقيت الحساس؟
العقوبات الأمريكية.. إنذار أخير
الإجابة تبدو واضحة. بعد أكثر من عامين من القتل والذبح والتنكيل واستهداف المدنيين في الأسواق والمناطق السكنية، رأت واشنطن أن الوقت قد حان لتوجيه رسالة حاسمة. العقوبات الأمريكية التي فُرضت مؤخرًا على الحكومة السودانية ليست مجرد إجراءات مالية؛ بل إنذار مباشر لمجلس السيادة وللقيادة العسكرية بأن “النصر العسكري لن يمنح حصانة من المحاسبة”.
الرسالة واضحة: أوقفوا الحرب فورًا.
السودان في قائمة الدول المنبوذة
استخدام الأسلحة الكيماوية لا يقتصر أثره على ساحات القتال فقط؛ بل يضع السودان في قائمة الدول المنبوذة عالميًا. هذه الجرائم تعقّد أي مسار سياسي مستقبلي وتغلق أبواب أي دعم دولي لإعادة بناء الدولة. الولايات المتحدة وحلفاؤها أوضحوا أن هذه الانتهاكات لن تمر بصمت، وأن العقوبات ما هي إلا البداية إذا لم يتوقف القتل الممنهج.
مجازر صامتة في القرى النائية
في القرى النائية التي تغيب عن نشرات الأخبار، الإبادة الجماعية تحدث بلا ضجيج. قصف بالرصاص، تعذيب، رجم، قنابل، وغازات خانقة مثل الكلور والسارين. ضحايا بلا أسماء، جثث تُدفن في مقابر جماعية، وأعداد المفقودين تتزايد كل يوم.
حتى عندما تظهر بعض الحقائق، لا تظهر إلا في شكل أرقام باردة: مفقودون، قتلى مجهولون، وأرواح طواها النسيان.
السودان اليوم يقف على حافة الهاوية. بينما تواصل القوات العسكرية خرق كل القوانين الإنسانية باستخدام أسلحة محرمة دوليًا، يزداد المشهد قتامة. الصمت الدولي يتراجع تدريجيًا، لكن الدم والكلور والسارين يتركون وصمة لا تمحى في تاريخ هذه الحرب العبثية.