تقرير: هنادي النور
حالة تنافر وشد وجذب بين التجار وإدارة الضرائب بسبب فرض رسوم على القطاع التجاري، مما ادى الى احتجاجات اجتاحت كافة الاسواق بالبلاد بسبب تلك القرارات، واصبح الوضع المعيشي ينذر بالخطر، وعادت المظاهرات الغاضبة وسط صراع على السلطة لم يحسم بعد، الأمر الذي أسهم في تهاوي العديد من القطاعات الاقتصادية، ونجد ان هناك تخبطاً حكومياً وقرارات صادمة، وسط موجات غلاء متتالية في وضع اقتصادي متأزم تعيشه البلاد، في ظل فشل الحكومات المتعاقبة في توفير حياة كريمة للمواطن.
اختلال
واعتبر عميد كلية الاقتصاد السابق بجامعة النيلين بروف كمال يوسف ان الضرائب من اهم مصادر الايرادات في الموازنة العامة، ولكن فرضها دون دراسة علمية تراعي الوضع الاقتصادي للبلد يؤدي الى ارتفاع الاسعار، وقد يصل الأمر الى حدوث كساد اقتصادي كما يحدث الآن وتنقلب الآية، ولن تكون الحصيلة الضريبية جيدة لضعف المبيعات وبالتالي ضعف الارباح. وللأسف يعتبر السودان من اوائل الدول التي طبقت الضريبة على القيمة المضافة، وهي ضريبة تكاليفية من الدرجة الأولى ويتحمل عبئها المستهلك، وتزداد كما بيعت السلعة عدة مرات قبل ان يتم استهلاكها. ووصف كمال خلال حديثه لـ (الخرطوم24 ) امس الوضع الاقتصادي الراهن بأن فيه اختلالاً كبيراً بين الدخل والصرف، ونتيجة لذلك كان التركيز فقط على السلع والخدمات الضرورية التي لا يكفيها الدخل المحدود المتاح حالياً. وكل ذلك نتيجة عدم وجود خطة اسعافية او استراتيجية قصيرة او متوسطة او طويلة الاجل للخروج من هذا الوضع الكارثي. وما يحدث الآن من انفلات في الامن نتيجة طبيعية للوضع الاقتصادي الراهن.
تداعيات سلبية
وقطع الخبير الاقتصادي هيثم محمد بأن الاقتصاد يعاني من ازمة مركبة يمكن اختزالها في عنوانين رئيسيين، الأول نمو اقتصادي متباطئ مصحوب بارتفاع في معدلات التضخم والثاني عجز موازنة متفاقم، وكان للموازنة العديد من التداعيات السلبية على الاقتصاد المحلي، لا سيما عجز الميزان التجاري وتراجع احتياطيات السودان من العملة الاجنبية، وقال لـ (الخرطوم24): (الواقع وتطورات العجز يحول دون استخدام الانفاق الحكومي بكفاءة وفاعلية، مما يستلزم ان تلجأ الحكومة للخيار الآخر وهو تخفيض معدلات الضرائب على القطاعات الاقتصادية). ونبه الى ان الاقتصاد الكلي منظومة متكاملة، وزيادة الضرائب تؤدي الى تخفيض الدخل الشخصي والحد من الانفاق الاستهلاكي وتخفيض اجمالي الانفاق بصفة عامة.
واضاف ان فرض ضرائب جديدة او زيادة معدلات الضريبة ستؤدي الى تراجع الانفاق والدخل القومي، وهو ما سيزيد الفجوة الانكماشية ويضخمها، وسيسبب ذلك تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة وتراجع الانتاج، مضيفاً ان انخفاض الدخل القومي سيؤدي لتراجع عائدات الضريبة لانها تعتمد على الدخل، وبالتالي لن تزيد ايرادات الخزانة على المدى المتوسط والبعيد بل قد تتراجع.
وتعد الحصيلة الضريبية من أهم مكونات الإيرادات العامة للدولة، ومن المفترض ان تعمل الدولة من خلال وزارة المالية على تعظيم الإيرادات الضريبية عبر العديد من الطرق والآليات دون تحميل المواطن أية أعباء إضافية، وذلك عن طريق العمل على سرعة إنجاز المنازعات الضريبية القائمة بين الممولين والمكلفين من ناحية وديوان الضرائب من ناحية أخرى.
وطالب الدولة بأن تقوم بتوسيع قاعدة دافعي الضرائب من خلال الوصول للفئات المتهربة ضريبياً، وليس زيادة الأعباء الضريبية على الفئات الملتزمة، والتوسع الأفقى في القاعدة الضريبية وضم عملاء جُدد للمنظومة الضريبية، إلى جانب إحكام السيطرة على المنظومة ومواجهة التهرب الضريبى وذلك عن طريق رقمنة وميكنة المنظومة والاعتماد على وسائل التكنولوجيا الحديثة.
وجزم هيثم قائلاً: (الآن لا يظهر أي انسجام بين الظرف الاقتصادي الراهن ورفع معدلات الضريبة، فالتوسع المطلوب هنا توسع أفقي وليس عمودياً، وإحدى الوسائل الناجعة في الحد من التهرب الضريبي تفعيل انظمة الفوترة لدى جميع المنشآت في السودان وحق الافراد في طلب فاتورة مقابل أي مبلغ ينفقونه على شراء السلع أو الخدمات). واضاف قائلاً: (في حالة التباطؤ او الركود الاقتصادي مثل الذي يمر به السودان حالياً، فإن الحكومة تلجأ في الغالب الى تخفيض الضرائب وليس رفعها، وفي نفس الوقت تلجأ لزيادة الانفاق الحكومي وخصوصاً الرأسمالي).
تنافر
فيما قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير: (ان الوضع المعيشي الآن يحتاج الى معالجات، ويجب ان تسعى الدولة في الموازنة القادمة الى تحسين اوضاع العاملين في القطاع العام بصورة جيدة، باعتبار ان الدولة لا بد لها ان تبحث عن زيادة حصيلة الإيرادات دون المساس بمعاش الناس، ويمكنها الاستفادة من موارد البلاد الطبيعية لمصلحة الاقتصاد، لجهة أن البلاد معروفة بالامكانات والثروات في باطن الأرض وظاهرها، وبالتالي يجب أن يتم كل ذلك لمصلحة الاقتصاد وليس بفرض زيادات في الايرادات او الضرائب، واعتبرُ ذلك قضية مهمة جداً في المرحلة القادمة).
وطالب خلال حديثه لـ (الخرطوم24) امس الدولة بضرورة اتباع سياسات محفزة لتحريك النشاط الاقتصادي لجهة انه الآن يعاني من حالة ركود تضخمي، لافتاً الى أن العالم الآن مهدد بالركود التضخمي في بعض الدول الكبرى مثل أميركا وأوروبا، ولكن بالسودان منذ زمن بنسبة كبيرة، ولذلك يجب معالجة هذا الأمر واتخاذ السياسات الكفيلة لتشجيع النشاط التجاري بصورة كبيرة واعادة النظر في مجمل السياسات الايرادية بالبلاد سواء كانت ضريبية او جمركية بصورة كبيرة، مضيفاً ان كل هذه معالجات ولا بد من الجلوس مع الممولين (التجار) بصورة أساسية او من يمثلهم من اتحادات، او تكون هناك صيغة توافقية بين الجهات الايرادية ممثلة في الاجهزة الايرادية وديوان الضرائب وقطاعات اصحاب العمل، وشدد على اهمية التوافق وعدم التنافر كما يحدث الآن من اغلاق الاسواق، واعتبر ذلك قضية مهمة لتصحيح مسار الاقتصاد ومعالجة القضايا الاقتصادية وتحسين معاش الناس.