الخرطوم: نجلاء عباس ــ هالة حافظ
وقع المجلس الانتقالي السوداني والقوى المدنية امس على الاتفاق السياسي الإطاري الذي يمهّد الطريق لنقل السلطة إلى المدنيين وإنهاء الأزمة التي تعاني منها البلاد لأكثر من عام، إثر إجراءات ٢٥ أكتوبر لعام ٢٠٢١م التي أثرت بدورها في الاقتصاد وادت إلى انهياره، بجانب إيقاف المجتمع الدولي كافة أشكال الدعم شريطة أن يتم تكوين حكومة مدنية، وقد أجمع عدد من الخبراء الاقتصاديين على أن الاتفاق الاطاري السياسي الأولي الذي تم بالأمس لن يفضي إلى نتائج تنعكس ايجاباً على الاقتصاد، معتبرين اياه مجرد اتفاق لمبادئ عامة ولا يشمل القضايا الجوهرية المهمة، مستبعدين حدوث انفراج في الأزمة عقب هذا الاتفاق.
سوق العملة
وشهدت اسواق العملات الاجنبية بالخرطوم أمس حالة من الترقب عقب التوقيع على الاتفاق الاطاري، وقال أحد التجار لـ (الخرطوم24) امس إن هناك شللاً تاماً في حركتي البيع والشراء، مبيناً ان سعر الدولار استقر عند ٥٧٨ جنيهاً للشراء و٥٨١ جنيهاً للبيع، واستقر سعر الريال السعودي عند ١٥٢ والبيع ١٥٣ جنيهاً، بينما سجل سعر الجنيه المصري ٢١ جنيهاً للشراء و٢٢ جنيهاً للبيع.
الحاجة إلى جرعات
وفي ذات الاثناء اشار الخبير الاقتصادي محمد شيخون إلى أن الاتفاق الاطاري يمكن أن يكون له اثر على الاقتصاد في حال اثمر الاتفاق عن توافق يوصل الموقعين عليه إلى مرحلة تشكيل حكومة، ولفت في حديثه لـ(الخرطوم24) الى أن الموقعين يتوقعون أن يتم الوصول إلى هذا الحدث خلال شهر، وحال اكتمل التوافق وحدثت قناعة من القوى الواقفة خلف التسوية الخارجية متمثلة في امريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي اذا تمكنوا من الوصول إلى مرحلة تشكيل حكومة مقنعة، لن يلغوا تطبيع العلاقات الدولية مع السودان الذي تم إنجازه في الفترة السابقة خاصة في اجتماع نادي باريس في يونيو من عام ٢٠٢١م، وإنما تم تجميدها، وحال وصلت التسوية إلى مراحل لم تصل إليها حتى الآن وهي التوافق في تشكيل حكومة تُطبق ما جاء في وثيقة التسوية وتكون قادرة على تطبيقها ورفع التجميد عن تطبيع علاقات السودان الاقتصادية الدولية الذي يعني عودة إعفاء او تجسير ديون السودان مع الصناديق الدولية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، وعودة المعونات الإنسانية مثل برنامج (ثمرات)، وقد يجد السودان معونات اقتصادية أخرى وقروضاً اسعافية واضاف قائلاً: (ربما ينتج عن المرحلة الانتقالية توافق، وفي هذه المرحلة ربما تأتي استثمارات خارجية)، ونبه شيخون إلى أن الوضع الاقتصادي في السودان يحتاج إلى جرعات كبيرة من الدعم، وتساءل قائلاً: (هل القوة الدولية مستعدة لتقديم ما هو مطلوب حتى يشعر المواطن بأن هنالك تغييرا؟)، وتابع قائلاً: (هذا امتحان كبير وجميع الاحتمالات واردة، لجهة ان ما حدث قد احيط بهالة إعلامية كبيرة، واعتقد ان التوافق ليس كبيراً، والتسويف ليس مستنداً إلى برنامج يمكن أن نقول فيه إن هذا صحيح وهذا خطأ، والمهم ليس أن نلعن الظلام ولكن المهم ان نشعل شمعة، ولا يجب أن نتشاءم، لكن الاتفاق الاطاري لا يدعو إلى تفاؤل كبير، لجهة ان الوضع يحتاج إلى مخرج، ولا بد أن نجد هذا المخرج، والايام القادمة هي التي ستُثبت ذلك).
مجرد تقديرات
ويرى الناطق الرسمي باسم حزب البعث الاشتراكي عادل خلف الله أن الحديث عن انعكاس الاتفاق السياسي الاطاري على الاقتصاد الآن مجرد تقديرات، لجهة ان الاتفاق يعتبر لمبادئ عامة، اما اساس القضايا محل الخلاف داخل المكونات الموقع عليها فقد ارجئت، وأضاف في حديثه لـ (الخرطوم24) قائلاً: (إن التشكيلة او التركيبة التي سيفضي لها هذا الاتفاق تعتبر تركيبة سلطوية تناقضاتها اكثر من عوامل انسجامها)، وقطع بأن هذه الحكومة ستعجز عن توفير استقرار اقتصادي باعتباره الشرط اللازم لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، مشيراً إلى أن السودان جرب الوعود وإلقاء الخُطب، لكن عندما تحين مرحلة تنفيذها تتضاءل الفرص ويصبح هناك فرق كبير بين الوعد والتنفيذ، وتم تجريب هذا الأمر في فترة حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، بالرغم من انه محسوب على المؤسسات الإقليمية والدولية والدائنين.
رؤى موحدة
وفي المقابل قال الخبير الاقتصادي محمد الناير إنه حال كان هناك تحسن في الاقتصاد فإنه سيحدث عقب الاتفاق النهائي وليس الإطاري، وذلك حال توافقت كل القوى السياسية حول رؤى موحدة، لجهة انه حال عدم حدوث توافق سياسي تام يُفضي إلى استقرار سياسي ويقود إلى استقرار امني، فإن الاثنين معاً يمهدان الطريق لاستقرار الاقتصادي، لجهة ان السودان يمتلك موارد طبيعية ضخمة جاذبة للاستثمار من كل دول العالم، وبالتالي يمكن استقبال الاستثمارات الاجنبية وتحسين الوضع الاقتصادي حال حدث وفاق سياسي وامني، وأضاف قائلاً: (ما تم توقيعه اليوم هو اتفاق اطاري أولي، واذا تم التوصل إلى اتفاق سياسي شامل لكل القوى السياسية يمكن أن ينعكس ذلك ايجاباً على الوضع الاقتصادي بالبلاد، اما اذا ظلت المكونات السياسية خارج الاتفاق النهائي الذي سيتم خلال شهر ستظل التعقيدات السياسية والامنية موجودة، ولن تنتهي بمجرد التوقيع على الاتفاق الاطاري).
قضايا رئيسة
وفي السياق ذاته قال رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد إن الاتفاق الاطاري الذي تم التوقيع عليه لا تترتب عليه أية انعكاسات اقتصادية، لجهة انه عبارة عن اتفاق أولي وهناك أربع قضايا رئيسة تُركت للتفاوض، وما لم يحدث اتفاق حقيقي على التسويق فلن يكون هناك أي جديد، وأضاف قائلاً: (يمكن ألا يتم إتمام الاتفاق وكأنك يا زيد ما غزيت)، ووصف الاتفاق الأولى بالمشجع لروح الاقتصاد السوداني، وأوضح ان اي شخص يرى أن هناك اتفاقاً اطارياً تكون لديه الثقة في المستقبل الاقتصادي، لكن لا احد يجرؤ على التنفيذ الا بعد أن يعرف ان هناك اتفاق تسوية حقيقي ام لا، اي انه مازال الجميع في البر، وهذا الاتفاق لن يحدث تغييراً، وستظل الحكومة الحالية تعمل كأن شيئاً لم يكن إلى أن يتم الانتهاء من التفاوض، واذا تم التوصل إلى اتفاق قابل للتنفيذ وبموجبه يتم تكوين حكومة سيكون هناك فرق، وفي هذه الحالة يمكن أن نقول إن الاتفاق جيد، لجهة ان برنامج (ثمرات) سيتحرك ويضخ أموالاً، والحكومة تكون قادرة على زيادة المرتبات وبالتالي زيادة ضخ السيولة في السوق، وتحريك قطاعات الاقتصاد بما فيها قطاع الصناعة والقطاع الخدمي والتجاري وغيرها، ولكن إلى الآن لا يوجد اي جديد.
حكومة ميتة
ومن جانب آخر نجد ان هناك عدداً من خبراء الاقتصاد يرفضون هذا الاتفاق، كما قال المحلل الاقتصادي د. كمال كرار لـ (الخرطوم24): (ان ما يسمى الاتفاق الاطاري او التسوية وخلافه من اسماء، مجرد تقنين لوجود الانقلاب العسكري ووقف الثورة، كما ارادوا بهذا الاتفاق اخراج النسخة السيئة من الازمة)، مشيراً الى ان المشهد يعيد نفسه بدخول افراد من النظام البائد، وقال كرار: (ان هذا الاتفاق محكوم عليه بالفشل، والثورة مستمرة ولن تنتهي بهذه الاجراءات)، ولفت الى ان الاطراف الموقعة لم تُفوض من قبل الشعب، وانما يمثلون انفسهم وهم اعداء الثورة، ووصف بالحكومة بأنها ميتة، وقال ان المشاركة الاجنبية تهدف الى تحقيق استقرار سياسي وتهدئة الثورة، ولكن من المستحيل ان تهزم الثورة وستتواصل حتى تنتصر، مؤكداً ان هذه التسوية لن تسهم في تحقيق استقرار سياسي او اقتصادي، وانما سوف تزيد الوضع تعقيداً.
سياسات اقتصادية
فيما اكد الخبير الاقتصادي د. وائل فهمي ان الاتفاق لن يتم بالشكل الذي يحلم به الجميع على المستوى الاقتصادي، وقال: (لكن علينا ان ننظر اليه بعين الواقع لا بالحلم والتمني)، وقال في حديثه لـ (الخرطوم24): (ان ما صرح به فولكر حول دعم المجتمع الدولي باستئناف الدعم المالي للسودان يعتبر خطوة ايجابية، ولكن علينا ان ندرك ان الدعم يغطي العجز ولا يسده)، مفسراً ذلك بأن التغطية وضع مؤقت بينما سد العجز اكتفاء بمشروعات انتاجية متجددة، وشدد على ضرورة تشجيع الاستثمارات الاجنبية واقامة مشروعات تنموية، لافتاً الى ان اهم المشروعات هي التي تجلب للبلاد عملات اجنبية تمكنها من تحقيق استقرار لسعر الصرف، بجانب اكتفاء البلاد بالانتاج المحلي بدلاً من التوجه للاستهلاك الوارد الذي يمثل ٨٥%، وهي نسبة ليست ضئيلة. واشار الى وجود العديد من السياسات الاقتصادية التي يفترض ان تتجه لها البلاد لتحسين الاقتصاد، واشار فهمي الى عجز بنك السودان المركزي عن تحقيق نظام مصرفي مزدوج لتتمكن البنوك من إجراء التعاملات الخارجية، وارجع التعامل الى تحقيق الثقة بين الدول الاخرى والسودان، وقال: (لا بد للبنوك ان تتمكن من سد حاجة سوق النقد الاجنبي في البلاد حتى لا يتجه المستهلك الى السوق السوداء، وبجانب ان ذلك سوف تحقق الثقة مع البنوك الاخرى وتثبت قدرتها في توفير النقد الاجنبي بمشروعات انتاجية)، مشيراً الى تخوف البنوك الخارجية من التعامل مع البنوك الاسلامية التي تسميها التقليدية. وشدد على ضرورة تحقيق الاستقرار السياسي، وان تكون حكومة مقبولة لدى الشعب حتى يمكن للاقتصاد ان ينهض مرة اخرى، مؤكداً ان السياسات الاقتصادية اكثر تعقيداً وتحتاج الى استقرار تام ومشروعات ناجحة ومؤثرة. كما اشار فهمي الى التزام صندوق النقد الدولي بتكملة برامجه حتى الوصول الى مرحلة اتخاذ القرار وسداد ما تبقى من ديون بلغت (١٣) مليار دولار بعد ان تم اعفاء (١٤) مليار دولار، موضحاً ان هذا الالتزام تبعته عدة قرارات ومطالبات من البلاد يجب تنفيذها فما هي الشروط والمواقيت؟