أبرز توجيهات مشروع الموازنة
خبير اقتصادي: من صدَّق بتشييد سور القيادة العامة الجديد يجب أن يُشنق في ميدان عام
الناير: التوجيه بوقف تشييد المباني وشراء السيارات الجديدة تتم مخالفته سنوياً من هؤلاء (….)
خبير: معظم الوحدات الحكومية بها (10) أضعاف ما تحتاجه من موظفين
الخرطوم: نجلاء عباس ــ هالة حافظ
تضمن منشور إعداد مقترحات موازنة ٢٠٢٣ الذي اصدرته وزارة المالية تحقيق الاستقرار الاقتصادي وزيادة الايرادات من موارد حقيقية، وشددت على ضرورة الحد من تشييد المباني الحكومية. ودعت وزارة المالية الى استنباط مصادر ايرادية حقيقية جديدة لزيادة الموارد والعمل، وتقدير إيرادات الرسوم الادارية وفئات رسوم خدمات الهيئات العامة وفقاً للتكلفة الحقيقية.
توسع رأسي وافقي
ويقول مصدر بادارة التحصيل بالمالية لـ (الخرطوم24) ان موجهات الموازنة حول الحد من تشييد مبانٍ حكومية عبارة عن خفض النفقات الحكومية وتوفير رصيد يمكن توجيهه للعملية الانتاجية والتوسع الرأسي والافقي بمعنى زيادة الانتاج كماً ونوعاً وتحقيق قيمة مضافة. واشار المصدر الى ان المالية عادة عندما تضع موجهات إعداد الموازنة تركز دائماً على خفض المصروفات مع زيادة الإيرادات لتتجنب العجز الكبير في الموازنة، فمثلاً تشييد المباني الحكومية يأتي في ذيل قائمة أولويات التنمية، ولأنه يزيد المصروفات تحرص المالية إلى الحد من ذلك، فالحد منه يخفض المصروفات في الميزانية الآنية ويزيد الإيرادات في المدى المتوسط أو الطويل حسب شكل المشروع، بجانب ضرورة وجود قرارات رشيدة وعقلانية وتنبؤات وتحديد اولويات الصرف وتجنب الصرف غير المبرر.
فموازنة الدولة لعام 2023م تعني (التكلفة المالية) لـ (خطة الدولة) للعام المعني، وتتم عن طريق تجميع خطط كل المؤسسات والوزارات والوحدات الحكومية (اهدافها وبرامجها وانشطتها) مرفقة معها تكلفة كل نشاط (مصروفات). وبالنسبة للمؤسسات الايرادية يتم بيان (الايرادات) المتوقعة من الانشطة. وقال ان انشاء المبانى يفترض ان يضمن فى خطة الوحدات الحكومية باعتباره (تكلفة) و (ايراد) فى نفس الوقت، مثلاً ديوان الضرائب يضع فى خطته انشاء مكاتب فى منطقة جديدة بتكلفة (300) مليون جنيه، ويتوقع مقابل ذلك توسيع المظلة الضرببية بما يعادل مبلغ (150) مليون جنيه سنوياً ايرادات من ارباح الاعمال وضريبة زروع وضرائب اخرى، وبهذا المعنى يكون انشاء المبانى له جدوله فى الموازنة، او قد يكون انشاء المبانى فى وحدة اخرى مصروفاً فقط، مثلاً انشاء مركز لتحصين الاطفال فى قرية نائية فى خطة وزارة الصحة الولائية، ففى هذه الحالة تتغلب العقلية الواعية اذا عدت ان تحصين الاطفال هو نوع من الاستثمار فى البشر يؤتى ثماره فى المستقبل، واذا عدته العقلية المحاسبية البحتة (خسارة) او مصروفاً غير مجدٍ ففى هذه الحالة ترفض المقترح وتسقطه من خطة الوحدة.
كل هذا فى وضع طبيعى للموازنة غير وضع السودان الحالى، وموازنة السودان الحالية ولثلاث سنوات هى ضرب من السحر وعمل من اعمال الجن فلا خطة للوحدات ولا انشطة، وبالتالى الحكومة كلها ليست لديها خطة.. وايقاف تشييد المبانى بكل انواعها يقصد به تخفيض المصروفات ليس الا.
ضبط الإنفاق
ويقول مصدر سابق بحكومة ولاية الخرطوم ــ فضل حجب اسمه ــ لـ (الخرطوم24) ان توجيهات المالية التي تضمنتها موازنة ٢٠٢٣م بالحد من تشييد المباني الحكومية ليست جديدة، وانما هي تجديد لقرارات سابقة تضمنتها موازنتا ٢٠٢٠م و ٢٠٢١م. وقال ان القصد من هذا القرار ضبط وترشيد الانفاق الحكومي، كما هو مواصلة لسياسات سابقة عملت على تقليل الصرف الحكومي، واضاف قائلاً: (يفترض ان تنفذ هذه الموجهات، وان تخصص الاعتمادات المالية لتنمية القطاعات الخدمية الاخرى مثل (الصحة، التعليم، الطرق، المياه والمواصلات) بدلاً من البذخ في الانفاق الحكومي ليس المباني فحسب، بل لا بد من التقليل الكامل والضبط في الانفاق على كافة المستويات الحكومية).
سور الجيش
ويقول الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل: (إن موجهات الموازنة التي تشير إلى الحد من تشييد المباني الحكومية او موجهات الموازنة ككل لا يمكن أن تتضمن خفض المباني الحكومية فحسب، وإنما ترشيد وضبط العقارات الحكومية)، واكد لـ (الخرطوم24) أن العقارات الحكومية في السودان كثيرة، بجانب وجود مبانٍ حكومية غير مكتملة وغير موزعة بشكل جيد، موضحاً أن بعض الوزارات مؤجرة ومستأجرة للمباني، وأن هناك بعض الوزارات تمتلك مباني فائضة ولذلك يجب أن يتم ضمها للوزارات التي تعاني من النقص، لجهة ان بعض الوزارات المستأجرة يشكو موظفوها من الترحيل المتكرر، موضحاً أن وزارة العمل تمتلك أربعة أبراج غير مكتملة، وهي مبانٍ ضخمة لا تتناسب مع تلك الوزارة، وفي ذات الوقت نجد ان موظفيها مستأجرين لمبنى آخر، اما مؤسسات الشرطة والدفاع والقضائية والداخلية والجيش تمتلك مباني فائضة، وأضاف قائلاً: (ناس الجيش قاموا بتشييد سور الصين العظيم، باستخدام كمية مهولة من مواد البناء التي يمكن أن تشيد أربعة او خمسة جسور)، وأضاف قائلاً مستنكراً: (ما هو الهدف من هذا السور العظيم؟ وعشان مظاهرات أطفال صغار تبنون سوراً بهذه الضخامة؟)، واردف قائلاً: (والله الشخص الذي وقع وصدق ببناء هذا السور يفترض أن يتم شنقه في ميدان عام، فمن الذي صدق على بناء هذا السور ولماذا؟، في حين ان المواطن يعاني من الجوع)، واشار المهل إلى ضرورة حصر المباني الحكومية والأصول الحكومية وان يتم تقييمها، وكذلك حصر مباني الاوقاف، موضحاً أن من موجهات الموازنة ضبط وترشيد العقارات، اي بمعنى ان فائض المباني في بعض الوزارات يعطى للوزارت المستأجرة.
ترشيد الاستهلاك
وفي ذات السياق يرى الخبير الاقتصادي محمد الناير أن توجيه وزارة المالية بترشيد المباني الحكومية أمر ليس جديداً، فقد ظلت الموازنة لأكثر من عشر سنوات تنادي بإيقاف تشييد المباني الحكومية الجديدة وإيقاف شراء السيارات الجديدة، ولكن للأسف يتم تضمين هذه البنود ضمن الموجهات، الا انه لا يتم الالتزام بها، وأوضح في حديثه لـ (الخرطوم24) أن الهدف الأساسي منها ترشيد الإنفاق العام للموازنة العامة للدولة وترتيب الأولويات باعتبار أن هنالك اولويات في الموازنة، لكن عدم الالتزام أثناء التنفيذ او التطبيق يعتبر احد اشكالات تنفيذ الموازنة العامة للدولة، لجهة انه تحدث بعض الاستثناءات من جهات لديها وسائل ضغط لمخالفة هذا الأمر وإنشاء مبانٍ جديدة وشراء سيارات جديدة.
بنود مفتوحة للإنفاق
ويشير رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد الفاتح عثمان، إلى أن معظم الموازنة موجهة للفصل الاول المرتبات والفصل الثاني التسيير وهو من البنود مفتوحة الانفاق وتحتاج لضوابط حازمة، اذ يمكن بسهولة في حالة التفاهم بين المديرين التنفيذيين والمراقبين الداخليين في اية مؤسسة انفاق المال وفق ما يرغبون فيه بدون مراعاة ترتيب الأولويات، وبما أن معظم الوحدات الحكومية تعاني من الترهل بسبب تكدس اعداد كبيرة من العاملين بما يفوق حاجة تلك الوحدات ثلاث او عشر مرات، فمن الواضح ان بند التسيير يمكنه بسهولة ابتلاع اية اموال مخصصة للتنمية، ان لم تكن متابعة الجهات الحكومية العليا قوية بما يكفي لايقاف هدر الاموال في بند التسيير. ودعا في حديثه لـ (الخرطوم24) وزارة المالية لتحديد مبالغ التسيير بشكل قاطع، مع توجيهات حازمة بالالتزام بالانفاق وفق البنود المذكورة وبالمبالغ الواردة في الموازنة، مع ارجاع اية اموال لم تنفق للمالية، مبيناً ان اهم بنود الانفاق صيانة السيارات والمباني الحكومية اضافة لفاتورة الوقود، وهي بنود من السهولة بمكان دخول الفساد فيها لصعوبة ضبطها في ظل ندرة الشركات الحكومية التي تعمل في هذا المجال.
التفكير في الضروريات
فيما قال عميد كلية الاقتصاد الاسبق بجامعة النيلين بروف كمال احمد يوسف لـ (الخرطوم24): (ان موجهات الموازنة هذه لا تزيد الايرادات بل تنقص النفقات العامة). واضاف قائلاً: (ان وزارة المالية في الاصل تعاني من شح الايرادات، لذلك تفكر في ضبط الصرف من خلال تخفيض نسب بعض البنود والغاء بنود أخرى، وهذه اشبه بموازنة عام ٢٠١٨م عندما كان د. الركابي وزير المالية. وهذا يؤكد ان الوزارة تفكر في الضروريات وهو تفكير مقبول، واعداد الموازنات يعمل على ضبط الايرادات ومحاولة زيادتها دون تأثير سلبي على المواطن، وفي نفس الوقت ضبط المصروفات من خلال تخفيض بعضها، ويكون ذلك مربوطاً بفترة معينة لحين تحسين الايرادات. ويمكن كذلك ضبط الاصول الثابتة الاخرى مثل السيارات والاثاثات من خلال جرد الموجود وترشيد استخدامه). واضاف قائلاً: (كنت آمل ان تفكر وزارة المالية في إنشاء مشروعات تزيد الايرادات او تقلل وارداتها من الخارج).
غير مؤثر
ويقول الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير محمد نور كركساوي لـ(الخرطوم24): (ان الانفاق على تشييد المبانى الحكومية جزء لا يذكر ولا يمثل رقماً فى الميزانية العامة، وإنما هو جزء من المصروفات العامة للدولة. ولكنها تحسب بنظرية اهلاك الاصول الثابتة ويعتمد تقديره على عمر الاصول الثابتة، فمدة اهلاك المبانى تقدر بأكثر من عشرين عاماً، وبالتالى يحمل المقدار السنوى فقط لموازنة السنة المعينة وليس إجمالى المبلغ المنصرف. وقال: (ومن هنا نجد أن تكلفة بناء وتشييد المبانى لا تمثل رقماً له أثر ايجابى في زيادة إيرادات الدولة).
