الخرطوم – لم تفلح الضربات الجوية الروتينية التي باتت قيادة الجيش تلجأ إليها باستمرار في أن تمنع قوات الدعم السريع من التقدم للسيطرة على مواقع رئيسية في العاصمة السودانية. وبدلا من أن يحمي الجيش قواعده، فإن ضرباته زادت من استهداف المدنيين وخلفت المزيد من القتلى والجرحى واللاجئين.
وقال سكان في الخرطوم إن الضربات الجوية والقصف المدفعي تصاعدا بشدة منذ ساعات الصباح الأولى الثلاثاء، في وقت يسعى فيه الجيش للدفاع عن قواعد رئيسية أمام هجوم قوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي يخوض معها قتالا منذ أكثر من شهر. وذكر شهود أنهم سمعوا دوي ضربات جوية واشتباكات وانفجارات في جنوب الخرطوم، وكان هناك قصف عنيف في مناطق بمدينتي بحري وأم درمان المجاورتين اللتين يفصلهما نهر النيل عن العاصمة.
ويتركز القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة، لكنه أثار اضطرابات في أنحاء أخرى من السودان، خاصة في إقليم دارفور بغرب البلاد. واحتدم القتال في الخرطوم والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، منذ أن بدأ طرفا الصراع محادثات في جدة بوساطة من السعودية والولايات المتحدة قبل أكثر من أسبوع. وأثمرت المحادثات عن إعلان مبادئ ينص على تسهيل وصول المساعدات وحماية المدنيين، لكن آليات إنشاء ممرات إنسانية والموافقة على وقف إطلاق النار لا تزال قيد المناقشة.
◙ الدعم السريع تستولي على معسكر السواقة وعدد من معسكرات شمال بحري وأسر أكثر من 700 من عناصر الجيش
وأعلن الطرفان في السابق موافقتهما على العديد من فترات وقف إطلاق النار، لكن القتال لم يتوقف في أي منها. ويعتمد الجيش بشكل أساسي على الضربات الجوية والقصف، ولا يدخل في مواجهات برية إلا قليلا، في ظل سعيه لطرد قوات الدعم السريع التي انتشرت في أحياء في الخرطوم، بعد وقت قصير على اندلاع القتال في الخامس عشر من أبريل.
وبحسب سكان وشهود، هاجمت قوات الدعم السريع قواعد عسكرية رئيسية في شمال أم درمان وجنوب الخرطوم الثلاثاء، في مسعى لمنع الجيش من نشر أسلحة ثقيلة وطائرات مقاتلة على ما يبدو. وأعلنت قوات الدعم السريع في السودان الاستيلاء على معسكر السواقة وعدد من معسكرات شمال بحري بالكامل وأسر أكثر من 700 ممن تسميهم “قوات الانقلابيين”.
وقال الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع الرائد نجم الدين إسماعيل على فيسبوك “حاولت قوات الانقلابيين وفلول النظام البائد مباغتة ارتكازات قواتنا في منطقة شمال بحري، حيث تصدت قواتنا للقوة المعتدية بجسارة وطاردتها حتى نقطة انطلاقها”. وأضاف “تمكنت قواتنا من الاستيلاء على معسكر السواقة وعدد من معسكرات شمال بحري بالكامل وأسر أكثر من 700 من قوات الانقلابيين ومقتل العشرات، وجار حصر العتاد العسكري”.
وأكد أن “أشاوس الدعم السريع في أتم الجاهزية لمواجهة مخططات الانقلابيين الفلول وكتائب الظل الماكرة وتلقينهم الدروس القاسية”. ويعمل الجيش على قطع خطوط إمداد قوات الدعم السريع من خارج العاصمة وتأمين مواقع إستراتيجية من بينها المطار بوسط الخرطوم ومصفاة الجيلي الرئيسية للنفط في بحري، حيث احتدم القتال مرة أخرى.
وفجر الصراع أزمة إنسانية تنذر بزعزعة استقرار المنطقة، وأجبر نحو 200 ألف شخص على الفرار إلى بلدان مجاورة، وأسفر عن نزوح ما يربو على 700 ألف داخل السودان. ويكافح من بقوا في العاصمة للنجاة بحياتهم في ظل شح الإمدادات الغذائية وانهيار الخدمات الصحية وانتشار الفوضى.
وأعلنت نقابة أطباء السودان ارتفاع عدد القتلى المدنيين إلى 822 شخصا، منذ بدء الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي. وقالت النقابة الطبية (غير حكومية) في بيان إن “استمرار الاشتباكات أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا بالعاصمة الخرطوم وعدد من الولايات”. لكن من المتوقع أن تكون الأعداد الحقيقية أعلى بكثير مع ورود العديد من التقارير التي تحدثت عن جثث تركت في الشوارع وأشخاص يعانون لدفن الموتى.
◙ الجيش بدلا من أن يحمي قواعده، فإن ضرباته زادت من استهداف المدنيين وخلفت المزيد من القتلى والجرحى واللاجئين
وقال أحد السكان ويدعى أيمن حسن (32 عاما) “هذا وضع لا يطاق، خرجنا من منزلنا إلى منزل أحد الأقرباء في الخرطوم هربا من الحرب، ولكن الضرب يلاحقنا حيث نذهب”. وأضاف “لا نعرف ما ذنب المواطن. لماذا الحرب في وسط البيوت؟”. واندلع الصراع بعد خلافات حول خطط لدمج قوات الدعم السريع في الجيش والتسلسل القيادي في المستقبل، في إطار اتفاق مدعوم دوليا للانتقال السياسي نحو الحكم المدني والانتخابات.
وتولى عبدالفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة، ومحمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، والشهير أيضا باسم حميدتي، أعلى منصبين في مجلس السيادة الحاكم، بعد الإطاحة بالزعيم السابق عمر البشير عام 2019 في أعقاب انتفاضة شعبية.
ونفذ الرجلان انقلابا بعد ذلك بعامين مع اقتراب موعد نهائي لتسليم رئاسة مجلس السيادة إلى شخصية مدنية، لكن بدأ كل منهما فيما بعد في تعبئة قواته في الوقت الذي كان يحاول فيه وسطاء وضع اللمسات النهائية على خطة انتقالية جديدة. وسعى الجانبان إلى الحصول على دعم من دول بالمنطقة مهتمة بالسودان، بسبب ثروته المعدنية والزراعية وموقعه الإستراتيجي بين منطقتي الساحل والخليج.
واتجه معظم الفارين من السودان شمالا إلى مصر أو غربا إلى تشاد المتاخمة لإقليم دارفور. وتوجه آخرون إلى مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر على أمل اللحاق بإحدى السفن المتجهة للسعودية. وقالت ريم، التي تقيم مع مئات آخرين في طقس شديد الحرارة في مخيم في بورتسودان، “إحنا جينا من الضرب وفقدنا أزواجنا، وبيوتنا اتدمرت، حتى لو جاء السلام إحنا نرجع نقعد وين؟”.